الخميس، 13 مايو 2010

العلاقات بين البيظان والكور بقلم محمد محمود ودادي


* لا يستخدم عرب موريتانيا كلمة الزنوج لمواطنيهم في فوته وﮔـيديماغه وإنما يسمونهم "الكور" المفرد (كوري) التي تعني في المدلول الأصلي باللغة العربية تجمُّع القرى، تمييزا لهم عن البدو الرحل الذين هم البيظان. فاسم الزنوج بعيد عن العلاقات الحميمة التي تربط مكونات الشعب الموريتاني، وهي تسمية تُطلق على الأفارقة السود، من قبل سكان آسيا العربية، في الوقت الذي نحن جميعا أفارقة؛ ويسمي الكور بدورهم العرب بالبيظان (البيض).
* إن الإسلام قد وحد بين الطرفين منذ القدم، حتى أن رباط المرابطين كان في (سان لويس) أندر التي معناها بالصنهاجية والعربية "رِجْل البحر" أو "كراع البحر" وهو تعبير يُطلق على مصب النهر، الذي هو هنا نهر سنغال (صنهاجة). وكان جزء من جيش المرابطين (الموريتانيين الآن) الذي فتح الشمال الإفريقي ثم الأندلس من "الكور".
* لقد سمى آباء موريتانيا المؤسسون البلاد بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، تعبيرا عن القواسم المشتركة بين الطرفين، وهي: الإسلام، واسم موريتانيا التي تعني في اللغة اليونانية ثم اللاتينية بعدها "أرض الملونين".
* لا يسجل التاريخ حدوث صراع عرقي بين الجانبين، عكس الصراعات بين قبائل البيظان؛ أو بين قبائل "الكور" والذي كان يجري هو تحالف قبيلة "بيظانية" مع أخرى "كورية" مثل تحالف إفلان مع أولاد مْبارك ضد سونينكه وإدوعيش، ومن أمثلته معركة "غابو" في ولاية "ﮔيديماغه" أو "ول عْلي بابي" وهما تسميتان سونينكية وعربية لتلك الولاية، حيث ول عْلي بابْ أحد زعماء إدوعيش.
* وجود انصهار عرقي يحفظ خصوصية الطرفين، فالكثيرون من العرب من أصول "كوْرية" إذ مجتمع البيظان منفتح لاستيعاب الآخرين، خاصة من ذوي الكفاءات الثقافية والدينية، الذين تكونت منهم مجموعات بيظانية ذات أصول كورية؛ مثال ذلك غالبية الطلابة الذين ينحدرون من كيهيدي، وكذالك أهل الطالب محمود الذين هم أيضا من تلك البلدة، والعشيرتان تسكنان الحوض الشرقي. كما توجد أسر كبيرة من الكور أصولها بيظاني، سواء من السونينكه أو "الهال بولارن" أو الولف، أما الأصول العربية لوالسامية للعديد من القابائل الكورية مثل الفلان فهي محل جدل تاريخي، حيث اثبته عدد من الباحثين، بينما تفاه آخرون.
هذا في الوقت الذي لا يوجد فيه هذا الانفتاح لدى المكونات الوطنية الأخرى من "الكور" سواء منهم "هال بولارن" أي الناطقين بالفُولّانية، أو السونينكيين، الذين لا يختلط نبلاؤهم بعامة الشعب حتى في المساجد والمقابر.
* تتميز علاقات الطرفين بالتكامل، حيث "الكور" مزارعون و"البيظان" منمو ماشية وتجار.
* بعد وصول الاستعمار الفرنسي مع مطلع القرن العشرين، انتهج سياسة استلاب ثقافي للطرفين، مع التركيز على محاربة اللغة العربية، وذلك ضمن مشروع عام تميز به الفرنسيون عن المستعمرين الآخرين كالإنجليز. فقد قال الجنرال "ﮔﻭرو" عندما اعتقل "الساموري توري" زعيم المقاومة الوطنية في غينيا (كوناكري) "لقد عرفنا مصدر قوتك وتشعُّب أنصارك، وهو استخدامكم للغة لا نعرفها، توحد بينكم وبين معتنقي دينكم (الإسلام) وسنقضي على عامل القوة هذا".
ونجحت هذه السياسة إلى حد كبير خاصة لدى بعض مجموعات "الكور" ومنها العائلات الكبيرة التي قادت الجهاد ضد الفرنسيين، مثل عائلة الحاج عمر طال الفوتي، فأدخلوا حفدته المدارس الفرنسية وقطعوهم عن رافدهم العربي، وهو ما حاولوه مع "البيظان" لكنهم رفضوا، ونجحوا لعدد من الأسباب، منها أنهم بدو رحل؛ مما يفسر أنه لم يكن لدى البلاد من حملة الشهادات الجامعية إلا أربعة أشخاص عند استقلالها، منهم أول رئيس للجمهورية. ولم يُقبِل الشعب على التعليم الفرنسي إلا بعد خروج الفرنسيين وتولي أبناء الوطن المسئولية.
بعد الاستقلال وقع توتر بسبب:
1 ـ تهميش اللغة العربية والصراع للسيطرة على الإدارة حيث اعتبر بعض كوادر "الكور" الذين كانوا يهيمنون على الإدارة، بحكم تعليمهم الفرنسي، أن دخول "البيظان" على الخط سيفقدهم هذه الميزة، خاصة إذا كانت العربية ستستخدم في مرافقها، وأيّدهم في ذلك عدد من كوادر "البيظان" المتفرنسين.
2 ـ تدخل سنغال وجهات فرنسية لدعم هذه الحركة، وضمان استمرار نفوذهما في موريتانيا التي استقلت، وهي فقيرة لا تملك سوى إعدادية واحدة ومستوصف صغير، وبدون كيلومتر واحد من الطرق المعبدة، أو مطار أو ميناء أو مرفأ، فكانت فعلا خاصرة لسنغال تدير اقتصادها وتتمتع بمنافعها، ومن وراء ذلك المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية الفرنسية.
3 ـ الإيديولوجيات المستوردة، ومن أهمها القومية الضيقة التي جاءت من أوربا الخارجة من حرب كبرى كانت بذورها عنصرية تمثلت في النازية، وهو ما أثر على أبناء مستعمرات أوروبا سواء العربية منها أو الإفريقية، وكان ذلك سببا في ميلاد الحركات القومية في الطرفين، مما أثر على الأجيال الشابة وكانت له تداعيات سلبية.
هذه العوامل مجتمعة كانت سببا في توتر سنة 1966، وغذت أزمة 1989، وما شهدته من أحداث دموية، يتحمل مسؤوليتها زعيما سنغال وموريتانيا آنذاك، ثم عبد الله واد، زعيم المعارضة الرئيسي في حينها.
ومما يدل على أن الأزمة وقتية ولا تحمل جذورا عرقية ـ كما يروج له البعض ـ استعادة الثقة بين مواطني موريتانيا وسعيهم إلى تجاوز الأزمة والتطلع إلى المستقبل، رغم الجراح، ورغم فصل التعليم، سنة 1979، الذي جعل للكور تعليمهم الفرنسي وللبيظان التعليم العربي.
• استعادة العلاقات مع سنغال بعد أربع سنوات فقط وتطورها في المجالات كافة، أكثر مما كانت عليه سنة 1989.
• الأمل في أن تقتنع فرنسا بأن اللغة الفرنسية لا يمكن أن تنتصر على اللغة العربية، لكنهما معا قادرتان على التعايش المثمر في موريتانيا، مثل ما في دول شمال إفريقيا الذي تنتمي إليه موريتانيا، كما تنتمي للغرب الإفريقي، وهو ما أدركته الولايات المتحدة الأمريكية مبكرا، فألحقتها بدائرة المغرب العربي في وزارة الخارجية، وحرصت على أن يكون معظم دبلوماسييها يتحدثون اللغة العربية، وممن عملوا في البلاد العربية خاصة اليمن.
• وتلخيصا لما سبق، يظل المجتمع الموريتاني بمكوناته المختلفة أكثر مجتمعات المنطقة بل القارة الإفريقية تماسكا، وهو ما يشهد عليه التاريخ والانتماء لدين واحد، وهو يعش في ظل دولة موحدة يتقاسم أبناؤها المسؤوليات على كل المستويات.
• وتظل موريتانيا جسر تواصل، تجمع جنوب الصحراء بشمالها، كما أرادتها الجغرافيا والتاريخ والآباء المؤسسون، فموريتانيا إفريقيا مصغرة، وهو ما يعترف به العالم العربي وإفريقيا، ويجعلهم دوما يعولون على مواقفها ودورها في التضامن والتعاون العربي الإفريقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق