الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

موريتانيا والقضية الفلسطسنية

 

تصدى أول نائب موريتاني في بالبرلمان الفرنسي أحمدو بن حرمه لتقسيم فلسطين سنة 1948، في كلمة ألقاها في الجمعية الوطنية الفرنسية، عندما أثير فيها موضوع التقسيم.

في الخمسينيات، ومع بداية انتشار الوعي السياسي في مستعمرة موريتانيا، كان هناك تطلع إلى معرفة أوضاع العالم العربي، ليس فقط في المغرب الأقصى والجزائر، ولكن في المشرق أيضا، كبيت المقدس والحرمين الشريفين ومصر، وبدأ الناس يتداولون ما يصلهم من أخبار عن شعب فلسطين وتشريده، إلا أن ظهور الموضوع في الأدبيات السياسية تأخر إلى فترة الاستقلال. 

أعلن الرئيس المختار بن داداه ـ مباشرة بعد إعلان الاستقلال في 28/11/ 1960 أن موريتانيا تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، منددا بتقسيم فلسطين، ومناديا بتطبيق قرارات الأمم المتحدة، الخاصة بعودة اللاجئين، وإنصافهم، بإعطائهم حقوقهم المغتصبة، رافضا أي اعتراف بالكيان الصهيوني.

من ذلك التاريخ، أصبح تأييد موريتانيا للشعب الفلسطيني عنوانا ثابتا في السياسة الخارجية للدولة الفتية.

لفت هذا الموقف انتباه الرئيس جمال عبد الناصر، فعبر عنه بقوله لأول وفد رسمي موريتاني يزور القاهرة في يونية سنة 1963: "لقد انبهرت بموقف الرئيس المختار بن داداه من القضية الفلسطينية ومن قضايا التحرير عامة، وفي إفريقيا خاصة، وخجلت من أنني لم أكن أعرفه، وكذلك من تجاهلنا لهذا البلد العربي الإفريقي الأصيل".

 نعم كانت القضية الفلسطينية قضية موريتانيا الوحيدة التي يدافع عنها كل الموريتانيين بدون استثناء، ولم يكن غيرُها مطروحا بعد استقلال الجزائر، إلا حماية استقلال موريتانيا نفسها.

 في سنة 1969 وصل إلى نواكشوط أول مبعوث رسمي لمنظمة التحرير إلى موريتانيا هو سعيد العباسي (أبو فهد) ففتح أول مكتب رسمي للمنظمة في نواكشوط، بعد أن أمّنت له الحكومة مكتبا ومنزلا وسيارة، ومبلغا ماليا سنويا، ثم أصبح المكتب سفارة دولة فلسطين في نواكشوط. وانطلق من إذاعة موريتانيا صوت الثورة الفلسطينية بالعربية والفرنسية، ليُسمع في أجزاء واسعة من القارة.

 شكل هذا المكتب مركز انطلاق النشاط الفلسطيني إلى إفريقيا جنوب الصحراء، وكان أبا لجميع المكاتب التي أنشئت بعد ذلك في عواصم القارة جنوب الصحراء. وكان من سمات الموقف الموريتاني الدائم الامتناع عن التدخل في شؤون الفلسطينيين الذي كان هاجس قادتهم، وسبّب لهم الكثير من المشاكل. 

الدور الموريتاني في موقف القارة الإفريقية من القضية الفلسطينية

يعود إذن إلى الرئيس المختار بن داداه فضل كبير في الاتصال بين الثورة الفلسطينية والقارة السمراء، وتغيير مواقف قادتها لصالح القضية الفلسطينية، فقد كان الرئيس المختار يرتبط بعلاقات حميمة مع زعماء دول القارة، بحكم انتماء موريتانيا للمنظمات الإقليمية والقارية والصلات الشخصية مع زعمائها.

سهل تأسيسُ منظمة الوحدة الإفريقية في 25 مايو 1963 مهمتَه وغيرِه من القادة العرب الأفارقة، حيث زالت التكتلات السياسية القارية السابقة، ومعها عهود من الشك والريبة كان الاستعمار يلعب عليها، وصارت القمم الإفريقية والمؤتمرات الأخرى، منابر رسمية تُطرح فيها جميع القضايا، ومناسباتٍ يحضرها الصحفيون والمثقفون، وصناعُ الرأي، فطُرحت علنا القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية، وجذورها التاريخية، وطبيعةِ إسرائيل العدوانية، مما ساهم في إنارة الرأي العام الإفريقي، الذي أدركت شرائح مؤثرةٌ منه، أن هذا الكيان صنيعة للاستعمار ورأس حربة له في المشرق العربي، وقاعدة عسكرية يراد لها أن تمزق التواصل بين إفريقيا وآسيا، مما ساهم في بداية تهاوي حججها بملكية أرض فلسطين.

قبل ذلك، ظل الموقف الرسمي الإفريقي منحازا للكيان الصهيوني، لأسباب عدة، من أهمها ما ورثته تلك الدول الجديدة عن العلاقات الخارجية للدول الاستعمارية المسؤولة عن اغتصاب فلسطين، كبريطانيا وفرنسا.

قدمت إسرائيل نفسها للدول الإفريقية في الستينيات، على أنها دولة صغيرة محاصرة من مائة مليون عربي! مما يجعلها جديرة بالعطف والتأييد، وفي الوقت نفسه دولة نموذجية للشجاعة والتنمية، ينبغي لإفريقيا الاقتداء بها، خاصة في تقنياتها الزراعية واستخراج المعادن الثمينة، مع قدرتها على توفير الأمن للزعماء الأفارقة ومصدرا لأجهزة التجسس والتنصت المتطورة لحمايتهم، بدل تقديم المساعدات المالية أو الغذائية أو الإسهام في مشروعات الإنشاء والتنمية، لأنها هي نفسها تعيش على المساعدات الخارجية.

لكن سنوات من الوجود الإسرائيلي المكثف أثبتت أن الخبراء الزراعيين الإسرائيليين في شرق إفريقيا ووسطها وغربها، لم يفيدوا الزراع الأفارقة في شيء، بل تدهور الإنتاج في المناطق التي دخلوها، وتكشفت فضيحة سرقتهم للكثير من سلالات البذور الزراعية الإفريقية الشهيرة وبذور النباتات، لتتوَّج الفضائحُ إياهم، بما قاموا به في مجال الثروة المعدنية، حيث تبين أنهم سرقوا الألماس، وحولوه للصناعات الإسرائيلية التي أصبحت من أكثر مثيلاتها ازدهارا في العالم؛ أما الحراسات الشخصية، فقد كانت غطاء لإقامة شبكات تجسس، ولم تغن شيئا عن الانقلابات العسكرية، بل ساعدت في بعضها كما وقع في الكونغو وإثيوبيا وليبريا.

بدأت بشائر تغيير موقف دول القارة مع عدوان 5 يونيو 1967 عندما احتلت إسرائيل الأراضي المصرية في سيناء. عندئذ أصغى القادة الإفريقيون في جنوب القارة إلى حجج إخوتهم الشماليين، بوجوب تأييد تحرير الأرض المصرية الإفريقية، على قدم المساواة مع الأراضي الإفريقية التي مازالت تحت الاحتلال الأوروبي، كالمستعمرات البريطانية والفرنسية والبرتغالية والإسبانية، وهيمنة البيض في جنوب إفريقيا.

 ثم كان المنعطف الكبير، عندما اندلعت حرب أكتوبر التحريرية سنة 1973 واستعاد العرب جزءا من كبريائهم، بإنهاء أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وأن لا مخرج للعرب إلا بالاستسلام. 

 تضافرت من جراء هذه الأحداث عوامل التضامن الإفريقي مع مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها منظمة تقود نضال شعب يريد الانعتاق، مثل شعب جنوب إفريقيا وأنغولا وزمبابوي وزامبيا، وملاوي وموزنبيق وغيرهم.. وأصبحت الأرضية ممهدة، لقرار منظمة الوحدة الإفريقية التاريخي بقطع العلاقات مع إسرائيل، حيث لم يشذ عن ذلك إلا كينيا التي أبقت على تلك العلاقات فترة قبل أن تلحق بباقي دول القارة.

  خاتمة

 نعم، توطدت العلاقات بين الثورة الفلسطينية والدول الإفريقية، وبين دول جنوب الصحراء والعالم العربي بفضل جهود رجال بارزين من أمثال المختار بن داداه الذي كان الوسيط النزيه بين قادة الجانبين، وهو ما جعل الكثيرين يعترفون له بذلك، وعلى رأسهم ياسر عرفات وجمال عبد الناصر والملك فيصل وحافظ الأسد و"ليوبولد سدار سنغور" و"هوفوت بوانيى" وأحمدو أهيدجو وهواري بو مدين و"تفاوا بليوا" ومعمر القذافي وعمر "بونغو إنديمبا"، والكثير من السياسيين والكتاب والإعلاميين، وبعد موته أشاد الكل بهذا الدور التاريخي.

  توطدت العلاقة بين الثورة الفلسطينية مع القارة، بفضل الزمالة النضالية بين مقاتلي حرب التحرير الفلسطينيين والأفارقة، حيث تدرب الكثير من أبناء القارة، الذين استقلت بلدانهم في السبعينيات، في المعسكرات الفلسطينية في لبنان، إضافة إلى دعم منظمة التحرير لهم بالسلاح والمال، وانضمام ياسر عرفات إلى من سبقوه، من القادة العرب إلى جهود تعزيز العلاقات العربية الإفريقية، وحل الإشكالات في العلاقات بين الطرفين؛ وكانت لذلك ثمار بارزة على رأسها الموقف الإفريقي المتميز في المحافل الدولية من القضية الفلسطينية، واعتبار منظمة التحرير مراقبا دائما في الاتحاد الإفريقي، يستخدمون منبرها البارز للدفاع عن قضيتهم، وهو ما فشلت إسرائيل في الحصول على مثله، بعد عجزها عن إلغائه.

 تسابقت دول إفريقيا للاعتراف بالدولة الفلسطينية عندما أعلنت بالجزائر في 15-11- 1988، فأقامت معها علاقات دبلوماسية جعلت السفارات الفلسطينية بعد ذلك أكثر بكثير من مثيلاتها الإسرائيلية.

صحيح، تغيرت الحكومات الموريتانية – كغيرها - خلال العقود الأربعة الماضية، لكن موقف موريتانيا ظل كما كان من القضية الفلسطينية، ومن القضايا العربية كافة، كعضو في الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية والمؤتمر الإسلامي، والأمم المتحدة وفي جميع المحافل، حيث تلعب دورها بصدق وتجرد.

لا شك أن القضية الفلسطينية تعيش ظروفا شديدة التعقيد جراء استمرار اليمين الإسرائيلي المتطرف في السلطة، بل اشتداد قبضته يوما بعد يوم عليها، والعدوان الدائم على الضفة الغربية وقطاع غزة، ومواصلة الحصار والتجويع والاعتقال، والقتل الممنهج، وشن اعتداءات دموية مدمرة بأي ذريعة؛ وهي حالة لا ينفع فيها إلا استمرار الصمود البطولي للشعب الفلسطيني، وتضحياتُه التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر؛ وكلما تحققت الوحدة وصمدت بين أبناء الشعب الفلسطيني، كلما اقترب  تحقيق النصر، واستُعيدت قاطرة التضامن العربي والإسلامي، حتى تتحرر فلسطين والقدس الشريف.        

نواكشوط في 5 جمادى 2/ الأبيظ التالي 1444 – 29/11/2022


 

الأحد، 24 يناير 2021

حلقة نقاشية عن كتاب الوزير

حلقة نقاشية عن كتاب الوزير 

تجربة وزير مدني في حكم عسكري

لمحمد محمود ودادي



نظم المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية حلقة نقاشية بفندق الخيمة، يوم الجمعة 28 جمادى الأولى 1431 /7 ميه 2010

وقد ترأس الحلقة د. ديدي بن السالك، يعاضده كل من الأستاذ سيد أحمد بن الدي وزير سابق وسفير سابق، د. محمد محمود بن محمد المختار، والأستاذ عبد الله بن محمدُّو، الذين قدموا عروضا عن الكتاب، تناولت القضايا التي طرحها، محللين المرحلة التي صدر عنها الكتاب.
وقد كانت فرصة للفيف من الأساتذة الجامعيين والسياسيين والصحفيين، والدبلوماسيين والكوادر من رجال ونساء، بإبداء رأيهم في الكتاب، وفي الأنظمة المتعاقبة التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال.
  ونذكر من المتحدثين على التوالي: الأساتذة آنفي الذكر الذين أداروا الجلسة، وكلا من: د. محمد بن بوعليبة، صدّافة بن الشيخ الحسن قيادي في حزب التكتل، حمّه بن آدبه أستاذ، محمد فال بن عُمير مدير صحيفة "لاتريبين" محمد عبد الله بن بليل كاتب صحفي، جميل بن منصور رئيس حزب تواصل، محمذن بابا بن أشفغه مدير مكتب الجزيرة، سيدي بن الأمجاد كاتب صحفي، أ. محمدن بن إشدُّ محام، د. عبد السلام بن حرمة قائد سياسي، أحمد بن أحمد عبد وزير سابق، الإمام بن محمدُّ قيادي في التكتل، أ. محمد بن سيد أحمد رئيس منتدى بن خلدون، الددّه بن سيدي عالي رجل أعمال، إسلمُ بن محمد وزير سابق، أ. محمد عالي بن البشير أستاذ، أحمد بن سيدي بابا وزير سابق.

الأربعاء، 5 أغسطس 2020

من الإذاعة إلى السفارة

من الإذاعة إلى السفارة

تجربة سفير

محاضرة أمام السفراء الجدد

مدخل

  كان أول اتصال مباشر لي مع دبلوماسيين أجانب، في حفلات السفارات التي فُتحت في نواكشوط مباشرة بعد الاستقلال سنة 1961، بعد السفارة الفرنسية، وهي الإسبانية والأمريكية، والصينية الوطنية (تايوان)، قبل أن تَلحق بها ألمانيا الاتحادية ثم مصر سنة 1965. وكان الرئيس وأعضاء الحكومة يحضرون هذه الحفلات حتى سنة 1970.

   ومن حسن الحظ أن بعض هؤلاء الأجانب كان يتحدث العربية، مثل داوود تينك سفيرِ الصين الوطنية، والقائم بالأعمال الأمريكي القادم من قنصلية عدن، مثل خلفه الذي يتحدث العربية أيضا، السفير فيما بعد أڭيلتون.

الثلاثاء، 14 يونيو 2016

وفاة الشيخ بيلّه بن عابدين


أُعلن في نهاية الأسبوع الماضي عن وفاة الشيخ بيلّه بن عابدين بن سيدي حيب الله بن الشيخ سيدي المختار الكنتي، في الحرمين الشريفين.
لقد عرفت الفقيد في نهاية سبعينيات القرن الماضي عندما جمعتنا الغربة في ليبيا ثم استمر الاتصال كلما أتيحت فرصة زيارة الحرمين الشريفين، في التسعينيات. كان الرجل شديد التواضع قواما لليل صواما للنهار، مكرما للضيف، عالي الهمة، من بقية أفذاذ جيل من الرجال ورثوا مجدا تالدا بوّأهم الصدارة في مجتمعهم، وحيث ما حلوا وارتحلوا.
فقد كان موئلا للضعفاء والغرباء، يُطمع الجائع ويكسي العريان، يحمل هموم الناس ويسعى في قضاء حوائجهم، ففتح الله على يده أبواب الخير، حيث تنقل من موطنه في أزواد الذي كان يواجه إحدى أقسى فترات تاريخه، بعد انتشار الجفاف وغياب سلطة وطنية ترعى الناس وتُغيثهم، كما فعلت دول مجاورة، ليصل إلى ليبيا، فتظهر كرامته بإقبال الناس عليه وخاصة أبناء وطنه، من عرب وطوارق وكَور، وكأنه مكلف بشؤونهم، فتراهم يلتفون حوله في إقامته وخلال تنقله، لقضاء حوائجهم وخاصة منهم العمال واللاجئين الفارين من صحرائهم، حتى يحصلوا على أوراق ثبوتية لدى السفارات المهتمة، والدوائر الحكومية، مما يمكنهم من ضمان حقوقهم والعيش بكرامة وأمن، وهم الذين جاءوا لإغاثة أهلهم في صحرائهم المنكوبة؛ وتارة تراه مصلحا بين الناس كلما وقع أبناء منطقته في ورطة، سواء بينهم أو مع آخرين، أو مع مُستخدِميهم من أفراد وشركات. وقد سهل الله على يديه تحقيق أحلام الكثيرين بالانتقال إلى الحرمين الشريفين،  لأداء الحج والعمرة وحتى الإقامة؛ ثم تنقل هو ايضا ليقيم بمكة المكرمة، ليجاور بيت الله الحرام، فكانت داره محط الرحال، حيث استمر في عطائه وإحسانه، حتى انتهاء الأجل المحتوم، ويتحقق له ما يتمناه كل مسلم، ألا وهو الدفن في رحاب أحد الحرمين الشريفين.
رحم الله الفقيد وتغمده برحمته وأدخله فسيح جنانه، إنه على ذلك قدير، وجعل البركة في خلفه وأرزقهم الصبر وحسن العزاء، إنا لله وإنا إليه راجعون.

الخميس، 14 أبريل 2016

أفكار للإسهام في تنمية بلديتي مركز الرشيد الإداري







منظر بانورامي لحاضرة الرشيد


    {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهمسورة الرعد الآية 11  {
[لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه] حديث صحيح

الثلاثاء، 9 يونيو 2015

عرض عن كتاب الداهية بن محمد فال المختار موريتانيا وقضية الصحراء، من الحرب إلى الحياد، قراءة في الحصيلة والآفاق




عرض  بقلم/ محمد محمود ودادي

   أشكر المعهد الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية على دعوته للمشاركة في هذه الندوة، وأثمن عاليا جهوده للإسهام في تلبية حاجة الدارسين والمهتمين، بل الجمهور، في الوصول على مبتغاهم المعرفي في بلاد ما تزال في بداية طريقها إلى توسيع حقول المعرفة، كما أثمن مجهود مركز الجزيرة في اهتمامها المتواصل بالمؤلف الموريتاني.

السبت، 22 نوفمبر 2014

ذكرى رحيل أحمدُ بن احميّد




عرض  بقلم/ محمد محمود ودادي

   أشكر المعهد الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية على دعوته للمشاركة في هذه الندوة، وأثمن عاليا جهوده للإسهام في تلبية حاجة الدارسين والمهتمين، بل الجمهور، في الوصول على مبتغاهم المعرفي في بلاد ما تزال في بداية طريقها إلى توسيع حقول المعرفة، كما أثمن مجهود مركز الجزيرة في اهتمامها المتواصل بالمؤلف الموريتاني.
  لقد قرأت هذا الكتاب المؤلف من 270 صفحة، وبابيْن وأربعة فصول وملحقات عديدة، وذلك بطريقة سريعة ومتقطعة، لكني خرجت بأنه إسهام في موضوعه، فهو عرض مكثف عن الصحراء الغربية وعلاقات كل من موريتانيا والمغرب بها وكذلك الجزائر، إضافة إلى تطرقه لأحداث موريتانيا الداخلية، وخاصة النشأة، ومدى ارتباط ذلك بالموضوع، موظفا هنا أهم وثيقة موريتانية مكتوبة حتى الآن عن نشأة الدولة والمصاعب التي اعترضتها، وخاصة علاقاتها بالجيران والإقليم، ثم عن القضية الصحراوية والحرب التي اندلعت حولها، أعني كتاب الرئيس الراحل المختار بن داداه: موريتانيا على درب التحديات.


   ويمكن تلخيص الرؤية الموريتانية في قضية الصحراء في أنها ذات أبعاد وطنية وإقليمية وحتى دولية، ولاهتمام موريتانيا بها وتشبثها بأن تكون طرفا في جميع الجهود والتحركات المحلية والإقليمية والدولية، لتقرير مصيرها، مقدماتٌ كثيرة، أن الطبقة السياسية الموريتانية كانت مقتنعة بأن الصحراء جزء من موريتانيا ومعها ـ إلى حد ما ـ  أزواد في مالي. وهو ما يجسده خطاب الرئيس المختار الشهير في أطار سنة 1957 الذي ذكره المؤلف دون فقرته الأكثر التصاقا بوجدان جل المواطنين: "..أن موريتانيا لا يمكن أن تنهض إلا بجناحيها: الصحراء الغربية وأزواد"؛ إضافة إلى أن تحقيق الوحدة مع الصحراء هو اكتمال للسيادة الوطنية وتعزيز الفضاء الشنقيطي البشري والثقافي، ومن ثم الاقتصادي والسياسي، مما سيحصن استقلال موريتانيا ويدعم مكانتها الإقليمية، سواء مع أقطار المغرب العربي، أو دول غرب إفريقيا؛ وكانت الفترة التي شهدت تقاربا بين نواكشوط والرباط والجزائر، منذ سنة 1969 مليئة بالآمال والتوقعات ببناء جسور من الثقة بين الأطراف الثلاثة، الخارجة من سنوات من القطيعة والتوتر، فالتقت وجهات نظر قادة هذه الأقطار في حينه، حول هدف محدد ومعلن، هو إخراج الاستعمار الإسباني من الصحراء الغربية، فشكلوا "مجموعة" ثلاثية في مؤتمر نواذيبو سنة 1970، نسقت للضغط على إسبانيا وحرمانها من سياسة فرق تسد التي كانت تلعب عليها لتماطل في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومهد هذا التفاهم الثلاثي ـ كما كان متوقعا ـ لتوقيع اتفاقية حدود بين الرباط والجزائر، وطي صفحة الخلاف المزمن بين موريتانيا والمغرب، لتثبّت الحدود نهائيا بين الأقطار المغربية الثلاثة، بعد أن ظلت سببا رئيسا في الخلاف بل الصراع أحيانا.
  
   وقد استطرد المؤلف محطات مهمة، منها أن  الموقف المبدئي لموريتانيا كان رفض التقسيم لأنها تعتبر الصحراء موريتانية، مثل الموقف المغربي منها تماما، لكن الرئيس المختار قبِل التقسيم، خضوعا لواقع ميزان القوة والضغوط الخارجية، ومنها العربية والإفريقية والأروبية.

  وكما قال المؤلف، فإن التقسيم تم في التفاهم السري بين المختار والحسن، الذي توج باتفاق فاس سنة 1974، ثم تلته المرافعات أمام محكمة العدل الدولية سنة 1975، والتي كان يراد منها تثبيت الاعتراف بحق كل طرف أمام هيئة دولية؛ فقد قُبلت "المجموعة الموريتانية" ندًّا للدولة المغربية ذات الإدارة العريقة، وهي سابقة قانونية كرستها المحكمة الدولية، وبذلك حُسمت المطالبة بموريتانيا - وهو مكسب عظيم - حيث اعترف المغرب "بالمجموعة الموريتانية" وأن لها "صلات خاصة مع بعض قبائل وادي الذهب أي تيرس الغربية" مقابل اعتراف موريتانيا للمغرب بـ"علاقات مماثلة مع بعض قبائل الساقية الحمراء". وقد لاحظ المؤلف أن المحكمة حرصت على أن تقرير المصير المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة هو الاستفتاء المباشر، بينما اعتبرت موريتانيا والمغرب أن تصويت المجلس الوطني الصحراوي (برلمان المستعمرة) بالأغلبية لصالح اتفاقية مدريد، تقرير مصير، مثل الجمعيات الوطنية في المستعمرات السابقة التي أُعلن استقلالها دون تنظيم استفتاء شعبي، ومنها موريتانيا، بينما ردت پُوليزاريو بأن ذلك يتجاوز الحقيقة، لأن أعضاء برلمان الإقليم لم يكنوا حاضرين جميعا، بل ساندها بعضهم وحضروا إعلان الجمهورية الصحراوية في فبراير 1976، مؤكدة تشبثها بنص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 حول تقرير المصير.
 
وقد ضم الكتاب بين دفتيه معلومات كثيرة يحتاجها - بلا شك - القارئ، وإن كان القليل منها جديدا بالنسبة للمتتبع، كسير الحرب وخسائرها، وملابسات انقلاب 1978 وما آلت إليه سياسة اللاسياسة بالنسبة للبلد عامة، ولقضية الصحراء، وعلاقات الحكم الجديد بأطرافها، بل بالعالم الخارجي كافة. ومن أمثلته على ذلك "اتفاق الجزائر بين موريتانيا وپوليزاريو، في 5 أغشت 1979، والظروف الغامضة التي اكتنفت توقيعه، حيث كان إذعانا للجبهة التي فرضت انسحاب موريتانيا من تيرس الغربية - دون إخطار شركائها في اتفاق مدريد - في موعد رُتب له أن يكون سريا، لكن المغرب اطلع عليه، فبادر باحتلال تيرس الغربية. ولم يحقق الطرفان الموريتاني والصحراوي أي مكسب"؛ وهو ما كشف هشاشة بعض التسريبات إلى الصالونات (محل الحل والعقد للحكم الجديد) عن وجود "تفاهم سري يجعل الجبهة تترك تيرس الغربية بيد موريتانيا، وتتفرغ لمواجهة المغرب" ويصوغ "الصالونيون" في ذلك مقولة تريد تغطية واقع الكراهية آنذاك بين الطرفين "بأن حرب الصحراء لم تكن بين عدوين، وإنما صراع إخوة، سينتهي بالتصالح، وأن احتفاظ موريتانيا بجزء من الصحراء سيكون لصالح المجموعة؛ فالرابح في عرف البيظان أن من يُبقي على جزء من "لَمْدنّه والماشية" بعد الغارة، يكون قد خدم المجموعة كلها".

  وقد اعتمد الكاتب بالنسبة لمعظم معلوماته عن الطرف الموريتاني على ما وجد بين يده منشورا من قبل الدارسين الموريتانيين القلائل، الذين تعرضوا للموضوع، خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وهو غير كاف، خاصة أن المعلومات متوفرة ولكنها تحتاج إلى التجميع والتدوين، فالكثيرون من شهود العيان ما يزالون على قيد الحياة. كما أهمل الكاتب مصدرا رئيسا للمعلومات هو ما نشر باللغات الأجنبية الأوربية، سواء من كتب أو دراسات أو مقالات، صادرة عن مراكز بحث، أو مؤسسات حكومية غربية، أو صحف ومجلات، وتلك ظاهرة تتكرر في المؤلَّف العربي في موريتانيا. لكن الكتاب ضم بين دفتيه وبتفصيل، وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالنزاع، وعلى الخصوص، مشاريع التسوية المختلفة التي قدمتها لأطراف النزاع والتي لم تراوح مكانها.

  وقد حاول المؤلف أن يكون متجردا وموضوعيا وهو ما لا يمكن التأكد من أنه سينجح فيه، نظرا للاصطفاف الذي ما يزال قائما بين جمهور المعنيين من الأطراف المختلفة، ولأدلجة الخطاب السياسي والإعلامي، الذي يضيّق كثيرا من هامش التجرد لدى أي كاتب، خاصة في موضوع كهذا. وقد تجلت تلك الصعوبة عندما حاول أن يقترح مشاريع حلول للخروج من الأزمة الحالية، حيث استخدم تارة عبارات تكاد تكون "وعظية" من قبيل "تغليب المصالح المشتركة، وإقامة المغرب العربي" بعد أن برهن  - من خلال سرده للوقائع السياسية ووجهات نظر الأطراف المعنية - على استحالة ما يتمناه، لعمق الهوة بين الأطراف، ولرسوخ انعدام الثقة، مقترحا أن يُترك الأمر بيد الأمم المتحدة، وهو أمر غير واقعي أيضا، أمام فشلها الذريع في القضية.