الأحد، 24 يناير 2021

حلقة نقاشية عن كتاب الوزير

حلقة نقاشية عن كتاب الوزير 

تجربة وزير مدني في حكم عسكري

لمحمد محمود ودادي



نظم المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية حلقة نقاشية بفندق الخيمة، يوم الجمعة 28 جمادى الأولى 1431 /7 ميه 2010

وقد ترأس الحلقة د. ديدي بن السالك، يعاضده كل من الأستاذ سيد أحمد بن الدي وزير سابق وسفير سابق، د. محمد محمود بن محمد المختار، والأستاذ عبد الله بن محمدُّو، الذين قدموا عروضا عن الكتاب، تناولت القضايا التي طرحها، محللين المرحلة التي صدر عنها الكتاب.
وقد كانت فرصة للفيف من الأساتذة الجامعيين والسياسيين والصحفيين، والدبلوماسيين والكوادر من رجال ونساء، بإبداء رأيهم في الكتاب، وفي الأنظمة المتعاقبة التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال.
  ونذكر من المتحدثين على التوالي: الأساتذة آنفي الذكر الذين أداروا الجلسة، وكلا من: د. محمد بن بوعليبة، صدّافة بن الشيخ الحسن قيادي في حزب التكتل، حمّه بن آدبه أستاذ، محمد فال بن عُمير مدير صحيفة "لاتريبين" محمد عبد الله بن بليل كاتب صحفي، جميل بن منصور رئيس حزب تواصل، محمذن بابا بن أشفغه مدير مكتب الجزيرة، سيدي بن الأمجاد كاتب صحفي، أ. محمدن بن إشدُّ محام، د. عبد السلام بن حرمة قائد سياسي، أحمد بن أحمد عبد وزير سابق، الإمام بن محمدُّ قيادي في التكتل، أ. محمد بن سيد أحمد رئيس منتدى بن خلدون، الددّه بن سيدي عالي رجل أعمال، إسلمُ بن محمد وزير سابق، أ. محمد عالي بن البشير أستاذ، أحمد بن سيدي بابا وزير سابق.
  وكان من بين الحاضرين أيضا العديد من الشخصيات الثقافية والسياسية والإعلامية، منهم: دحان بن أحمد محمود وزير سابق ومرشح سابق للرئاسة، صالح بن حننه مرشح سابق للرئاسة ورئيس حزب حاتم، محمد بن شيخنا مرشح سابق للرئاسة، أعمر بن رابح رئيس حزب الديمقراطية المباشرة، أ. محمذن بن باباه نائب رئيس التكتل وزير سابق، الشيخ سيد أحمد بن بابا أمين وزير سابق وسفير سابق، د.المحجوب بن بيه وزير سابق وسفير سابق، خدي بنت شيخنا وزيرة سابقة، محمد فال بن الشيخ وزير سابق، محمد سعيد بن همدي سفير سابق، محمد محمود بن المجتبى سفير سابق، أحمد بابا بن أحمد مسكه سفير سابق، سيدي بونا بن سيدي سفير سابق، منينه بنت عبد الله سفيرة سابقة، سيد أحمد بن مبارك قنصل عام، بله بن الشيباني قنصل عام سابق، أحمدو بن بوعليبة رجل أعمال، د. مصطفى سيدات ممثل منظمة الصحة العالمية السابق في مالي وتوغو، أحمد بن الوافي محام، حماه الله بن الرﮔاد محام، إبراهيم بن أبتي محام، محمد سالم بن الصوفي مراسل الجزيرة، باباه بن عبده رجل أعمال.
ونقدم لكم نص مداخلتي أستاذين ممن أداروا الجلسة وهما سيد أحمد بن الدّي وعبد الله بن محمدو.




بحث عن وزير في حكم عسكري
سيد أحمد بن الدّي

قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. صدق الله العظيم
تقديم كتاب: (الوزير، تجربة وزير مدني في حكم عسكري)
للأستاذ: محمد محمود ولد ودادي 

  طبع هذا الكتاب سنة 2008 من قبل الدار العربية للموسوعات ببيروت ويقع في 304 صفحات من الحجم المتوسط منها 202 من الصفحات هي صلب الكتاب و102 عبارة عن ملحقات وفهارس، ويتضمن:
- تصديرا للدكتور السيد ولد ابّاه 
- تمهيدا للمؤلف هو بمثابة مقدمة موجزة
- 15 فصلا 
- 9 ملاحق 
- فهرسا للأعلام البشرية
- فهرسا للأعلام الجغرافية ثم مجموعة من الصور 
وقد تناولت الفصول الخمسة عشر بالعرض المستفيض ما وصفه المؤلف بتجربته وزيرا للثقافة والإعلام والمواصلات، خلال سنة ونصف من ممارسة العمل في هذا القطاع.
وبالرغم من أن هذه الفصول ظهرت بعد إحدى وعشرين سنة من مغادرة المنصب الحكومي فإنها اقتصرت على الحديث عن هذه الفترة ولم تتطرق إلى ما بعدها، حتى ليخيل إلى القارئ أنها حررت يومئذ وبقيت مخزونة حتى تاريخ خروجها، ربما مصانعة أو تقية.
يبدأ الفصل الأول بدخول المؤلف في الحكومة دون إشعار مسبق، وكان في عطلة دبلوماسية داخل البلاد، حيث يصف المؤلف كيف علم بالأمر وكيف دخل على الرئيس، وما هي انطباعاته عن الجو الذي ساد اللقاء الأول، دون أن ينسى الحديث عن المكتب وأثاثه. كل هذا بطريقة سردية لاتخلو من تشويق.
ثم تناول المؤلف في الفصل الثاني مجلس الوزراء، كيف كان ينعقد وكيف كانت تتم مناقشة الأمور فيه، وكيف كان الوزراء يتصرفون، وكيف كانوا درجات في المراسم وفي الأهمية باعتبار انتمائهم للجيش أو للسلك المدني.
وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن الوزير، والهالة التقديرية التي تحيطه الناس بها، مع كونه لا يكاد يملك من الأمر شيئا، ويذكر عن نفسه أنه كان أكثر نفوذا وحرية في التصرف يوم كان مديرا عاما للإذاعة، منه بعد أن أصبح وزيرا للإعلام، محللا شخصية الوزير في أبعادها السياسية والإدارية وملامحها النفسية.
ويأتي الفصل الرابع المتعلق بظروف العمل والنشاط اليومي تكملة للفصل السابق.

ويستعرض المؤلف في الفصل الخامس حالة قطاع الثقافة والإعلام والمواصلات، شخّص فيه سوء أوضاعها ودركات انحطاطها، مما يؤسس للجهود الإصلاحية التي حاول القيام بها أثناء فترة التوزير.
ثم ركّز في الفصل السادس على الإعلام باعتباره واجهة الدولة ووسيلتها التواصلية بالآخرين، سواء في الداخل أو في الخارج، مما يتطلب جهودا مضنية وأفكارا خلاّقة بغية تلميع صورة البلاد، خاصة في المشرق العربي الذي لم يكن على تواصل كاف مع بلادنا.
ويواصل في الفصل السابع بعنوان "نحن والإصلاح" تحليلاته لأهمية التعامل مع مجتمع حديث العهد بالبداوة وما يستدعيه التحديث من جهود مع ضرورة المحافظة على الأصالة والقيم السامية.
ونعود مع المؤلف في الفصل الثامن إلى شؤون الوزارة وشجون الوزير في معاناته مع الديوان الرئاسي وكيف كانت تسير الأمور في هذا المرفق الحساس، مركزا على منهجية العمل أو على الأصح لامنهجيته، وكيف كان مدير الديوان يتصرف مع الرئيس من جهة ومع الوزراء من جهة أخرى.
وخلال الفصول الموالية (9 و 10 و 11) يحلل المؤلف سمات مجتمع نواكشوط وكيف بدأ نقيا بسيطا نظيفا في عقد الستينيات وما طرأ عليه من ظواهر سلبية خلال إحدى عشرة سنة (74 – 85) كان المؤلف خلالها سفيرا في ليبيا ثم في سوريا، مخصصا أحد هذه الفصول لمدرسة التملق التي كانت تُخرّجُ فئات المنافقين وجماعات الضغط، معرجا على القبلية والرأي العام المصبوغ بسيئات الفترة وبدع المدينة.
أما الفصل الثاني عشر فموضوعه يشبه تقارير عن مهمات قام بها المؤلف في الخارج كانت خاتمتها زيارة رسمية للملكة العربية السعودية أثارت بعض التعليقات لدى مستويات مختلفة من دوائر السلطة والرأي العام، وقد جرت بأيام قليلة قبل مغادرة الوزير للحكومة، وكانت هذه المغادرة موضوع الفصل الثالث عشر، حيث يسرد المؤلف قصة إشعار الرئيس إياه بخروجه من الحكومة وتعيينه مستشارا في الرئاسة، وكيف كانت هذه الوظيفة الجديدة عبارة عن بطالة مقنعة إذ لم يستشر إلا مرة واحدة، وعندما قدم تقريرا عن رأيه وجد أن القرار قد اتخذ عكسا لما كان قد اقترحه.
أما مشكلة الحكم والبدائل المتاحة فقد كانت موضوع الفصل الرابع عشر، حيث يحلل سياسيا وتاريخيا نظام الحكم منذ الاستقلال ثم خلال تسع سنوات من حكم الجيش، مبرزا غياب الثقافة المؤسسية والنزوع الجامح إلى الاستبداد.
وفي الأخير يخصص المؤلف الفصل الخامس عشر للعقيد معاوية ولد الطايع، حيث يتناول حياته ويحلل شخصيته بملامحها العقلية والنفسية، ويستعرض علاقته به منذ بداية الستينيات، وطريقته في الحكم بعد أن أصبح رئيسا للدولة، وتأتي هذه التحليلات مبطنة بالنقد رغم أن الرئيس ـ حسب تعبير المؤلف ـ ما زال يومئذ في شهر عسله مع الموريتانيين، وهو شهر استمر ثلاث سنوات تندرج فيها الفترة المتحدث عنها.
أما الملاحق الثمانية فهي من نتائج العمل الوزاري، تشمل دراسات وتقارير وتعليمات من صميم العمل الجاري، فهي إذن واجهة لحصيلة هذه الفترة.
كما تضمنت قوائم بالرؤساء والوزراء الأوائل منذ الاستقلال حتى 1990 وكذلك الوزراء في العهد المدني (1958 – 1978) وعددهم 79 ووزراء الحقبة العسكرية حتى 1990 وعددهم 82 خلال 12 سنة، وذلك قبل أن ينتهي الكتاب بفهرس للأعلام البشرية ومجموعة من الصور التذكارية مع بعض مشاهير العصر.
هذا تقديم موجز جدا لمحتوى الكتاب، وهو لا يغني في شيء عن قراءته. وسأحاول بعد القراءة السريعة التي قمت بها ـ نظرا لأنني لم أطلع على الكتاب إلا منذ أيام معدودة ـ أن أقدم بعض الملاحظات الأولية: 
الملاحظة الأولي
  قد يتساءل القارئ عن تصنيف هذا الكتاب، وأين يضعه في التصنيفات المعروفة. أفي خانة السيرة الذاتية، أم في ميدان التاريخ، أم في حقل التقارير الصحفية، أم هو عمل قصصي تتخلله تحليلات اجتماعية وسياسية اقتضتها ضرورة الفن؟
أعتقد أنه ليس متمحضا لشيء من هذا، بل هو مزيح من كل ذلك، فهو قصة وزير مدني في حكم عسكري، بما في المقابلة أو على الأصح المفارقة من إيحاءات. فصفة المدنية تقتضي الانفتاح والتحضر والمثالية والطموح إلى التحديث، مع الحفاظ على الأصالة، بينما يوحي مدلول العسكرية بالأوامر السلطوية الجافة، والإيقاع الرتيب، وقِصر النظر والخشونة والقلق والتوجس من كل ما هو جديد، والانفراد بالسلطة والاستبداد بسياسة كل القطاعات، خاصة في مجال الإعلام الذي تضاهي أهمية المسؤولين فيه قيادات الجيش الوطني، حسب ما يرويه المؤلف عن الرئيس.
ولعل هذا التعارض في التعامل والممارسة بين طرفي هذه الثنائية هو ما أعطى الكتاب شحنة من التشويق، عضدها النفس السردي والروح الساخرة وأكسباها نكهة لذيذة.
الملاحظة الثانية
يبرز في هذا الكتاب ثلاثة أشخاص هم أبطال القصة، إن جاز لنا أن نصفها كهذا وهم:
1. المؤلف وهو الشخص المحوري في جميع مفاصل الكتاب، سواء في عرض التجربة التي خاضها أثناء سنة ونصف من العمل الحكومي، أو في استطرادات تتعلق بذكريات سابقة على هذه الفترة، أو بتجارب أخرى عندما كان في الإذاعة والبرلمان والسلك الدبلوماسي. ولا تخلوا هذه المحورية من مبررات معقولة، إذ أن موضوع الكتاب هو الوزير أي المؤلف.
2. الرئيس معاوية ولد الطايع
  وهو يستمد دوره بل أهميته من أنه رئيس النظام العسكري، والشريك الأعلى في ثنائية التعامل مع الوزير، وكانت خيوط صورته مبعثرة في ثنايا فصول الكتاب، وقد اجتهد المؤلف في تجميع أجزاء هذه الصورة بجميع أبعادها وفي تعامل صاحبها مع الوزراء وغيرهم من الناس.
 وقد لخص السيد ولد ابّاه، مقدم الكتاب هذه الملامح التي استجمعها من محتويات الكتاب بقوله في المقدمة: لقد أصبح الضابط رئيسا مخوفا استمرأ تدريجيا لعبة الزعامة وأوهام السلطة، واتخذ على عادة الحكام البطانة والحاشية، وتعود لغة التقديس والتمجيد، واحتفظ في يده بكل خيوط القرار وتفصيلات الحياة السياسية والإدارية (ص8) ويكمّل المؤلف ـ في معرض الحديث عن اختلال النظام في الديوان الرئاسي قائلا: "فمن البيّن أن التنظيم القائم لا يمكّن رئيس الدولة من الاستغلال الأمثل لوقته ومعالجة المشاكل اليومية، إن كان يرغب في ذلك، كما لا يعطيه حتى قسطا من الراحة البدنية والذهنية الضرورية، رغم كسله، حيث لا يأتي لمكتبه في وقت محدد، بسبب السهر الذي يدمن عليه ويصبح جزءا من حياته، وهو في ذلك يشبه بعض قادة العالم الثالث الذين لا ينامون إلا عند انبلاج الصباح، خوفا من الانقلابات العسكرية" (ص95) كما يلخص طريقة التعامل مع الرئيس بقوله: "وأكثر ما يقلق المراقب الطبيعة العسكرية لأوامر الرئيس التي لا مجال لنقاشها، كما يقول زملاؤه الذين يذكّرون بنزوعه المبكر للاستفراد بالسلطة (ص 200).
هذا ولا يكاد القارئ يعثر على أية جوانب إيجابية لدى هذا الرئيس الذي هو كغيره لا يخلو من النصف المملوء للكأس.
3. رئيس الديوان: ويظهر في الكتاب بعباءة الحاجب الأعظم الذي يحجب الناس والمعلومات والتقارير عن الرئيس ويغربل كل ما يقدم إليه حتى لا يُظهره على ما لا يروقه.
فالرئيس دائما يرى أن كل شيء يسير على أحسن ما يرام، بفضل مدير الديوان، إضافة إلى خصلة التكتم التي كان يتحلى بها، مما أثار إعجاب الرئيس به وأكسبه ثقته الكاملة. وكان مدير الديوان يتظاهر في البداية بالتواضع، والبساطة والحياد في تقديم الآراء، لكنه بعد أن تمكن بسط نفوذه على الوزراء، حتى إنه أصبح يصدر الأوامر مباشرة إلى معاونيهم دون علم منهم. ولعل هذه الظاهرة تجسدت في الإعلام أكثر من القطاعات الأخرى. وللمؤلف مآخذ كثيرة على سير العمل في الديوان من حيث سوء النظام، والارتجال والإهمال والأخطاء البروتوكولية الفاحشة إلى غير ذلك.
وباستثناء الرئيس الراحل المرحوم المختار ولد داداه الذين كان غالبا ما يذكره المؤلف على سبيل المقارنة وتبيين الأشياء بضدها، فإن الأشخاص الآخرين المذكورين جاؤوا بصفة عرضية على طريقة الكومبارس في الأفلام السينمائية.
الملاحظة الثالثة:
لا شك أن المعلومات الواردة في الكتاب صحيحة وذات مصداقية إلا أن فيها تعميما لبعض الأحكام أحيانا.
مثال ذلك قول المؤلف في ص 38 "والأغلبية الساحقة من الوزراء من عهد الاستقلال إلى اليوم عُينوا دون معرفتهم ودون أن يخطر الأمر على بال بعضهم". 
  فأرى أنه لا بد من الاستدراك واستثناء الحكم المدني الأول فلم يكن الرئيس المختار رحمه الله يعين وزراءه عشوائيا، ولم يتول أحدهم منصبا وزاريا دون أن يُستشار ويقبل، ولم يغادر الحكومة دون أن يستدعيه الرئيس، ويشكره على جهوده طبقا لشريعة المجاملات والأخلاق النبيلة 
الملاحظة الرابعة
حول لغة المؤلف وأسلوبه:
لعل من مميزات هذا الكتاب، إضافة إلى محتواه الشيق، لغته السليمة الأنيقة الدقيقة في تعبيرها، الخالية من التصنع والتقعر.
أما الأسلوب وإن أراده المؤلف أدبيا، فقد غلبت عليه الصبغة الصحفية، إلا أن لغته تفوق مستوى الصحافة، بتجنبها المزالق التركيبية والأخطاء الشائعة، مع القدرة الفائقة على تطويع الكلمة لأداء المعني المقصود.
  هذا وتقل المآخذ على سلامة اللغة، فهي قليلة جدا، مقارنة بحجم الكتاب، وهي أقل في الاستعمالات غير الموفقة لكلمة أو عبارة ما، وأكثر ما يوجد من أخطاء لغوية، يعود إلى الطباعة وعدم الاستقصاء في التصحيح.
  وبعد، فإن هذا الكتاب يمثل شهادة قيمة من داخل النظام، ومقاربة جادة لتشخيص الحكم في نظرة فاحصة شاملة، قد تمتزج بشيء من الذاتية وعدم الرضى عن الوضع، بل وخيبة الأمل أحيانا، ولكن ذلك لا يقلل من أهميتها وطرافتها وندرة موضوعها.
  وإذا ما كانت هذه الندوة مخصصة للتعريف بهذا المؤلَّف القيم، لأن المؤلِّف لا يحتاج إلى التعريف، فإن الحديث عن الفترة الزمنية القصيرة التي كانت إطارا لهذه التجربة قد يفضي إلى محاكمة فترة بكاملها. وعليه فإنني أرى أنه من السابق لأوانه استصدار أحكام نهائية في الموضوع، نظرا إلى قرب هذه الفترة منا، ونظرا إلى أن الحديث الذي تم في الكتاب عن سنة ونصف فقط، إنما جاء مقدمة لثماني عشرة سنة مشابهة تلتها، وخمس سنوات عقبت ذلك، هي في الحقيقة استمرار لذلك النهج، لأن مَن تعاقبوا على السلطة ممن كانوا يحكمون فعلا هم بطانة الرئيس معاوية وتلامذته، فقواعد المسرح ثابتة وإن اختلف الممثلون.
  ولنقل للتاريخ وللحقيقة والإنصاف إنه رغم المآخذ الكثير على حكم الرئيس معاوية، فإنه لم يخل من إيجابيات، فليس مجرد كومة من المساوئ كما يريد البعض أن يصمه، سيرا على طريقة "كلما دخلت أمة لعنت أختها".
  فمن خصاله الشخصية وطنيته الصادقة وغيرته على سيادة البلد، وإيمانه المبالغ فيه بذكاء الموريتانيين وقدراتهم وزهده في جمع المال، وتعلقه بثوابت الهوية الموريتانية الأصيلة.
  وفي حصيلة منجزاته يسجَّل له إعطاء جرعة من الديمقراطية وإن كانت غير كافية، ومنح هامش معتبر لحرية الصحافة (غير الحكومية) وإن كانت هذه الحرية تتعرض أحيانا لبعض الهزات، ولم يسجن في عهده صفحي ولا حوكم حسب علمنا.
  كما تم إنجاز بنى أساسية لا بأس بها، وقد كان بإمكانها أن تكون أكثر وأوسع نطاقا لو كان الرئيس أكثر صرامة في محاربة الفساد وفي ترشيد تسيير الأموال التي تدفقت في عهده على البلاد.
  ثم إن نياته كانت سليمة وطموحه مشروعا فيما يتعلق بمحو الأمية وإشاعة الكتاب، وإن لم يصل فيهما إلى نتائج تذكر.
  وهو ككل رئيس له جوانب إيجابية وأخرى سلبية، تجذرت السلبية منها بفعل جو التملق والنفاق السائد لدى كثير من الموريتانيين، الذين يخلقون أصنامهم بأيديهم، فيعبدونها ثم يدمرونها بعد أن تدور عليها الدوائر، ثم يأخذون في بناء هياكل جديدة ليملئوها مُكاءً وتصدية. ++
وفي الختام أهنئ المكتبة الموريتانية على ازديانها بهذا الأثر القيم، الذي يطرح سياقُه سؤالا كبيرا لا يستطيع الإجابة عليه إلا التاريخ، ألا وهو: هل يمكن التعايش بين المدني والعسكري في نظام حكم منسجم؟ وبالتوسع في الفكرة هل يستطيع نظام بعقلية عسكرية أن يعيش في مجتمع مدني؟ وبصفة معكوسة للسؤال هل يستطيع مجتمع مدني أن يتحرر وينمو في ظل حكم بعقلية وممارسات عسكرية؟




قراءة في: الوزير لعبد الله بن محمدُّ صحفي مدير إذاعة سابق

لقد قرأت كتاب الوزير مرتين، المرة الأولى حين تكرم المؤلف الأستاذ محمد محمود ولد ودادي بإهدائه إلي ... ويبدو أنني في هذه القراءة ، لم أتمكن من سبر كل أغوار الكتاب وأصارحكم بأني لم أعجب - للوهلة الأولي- بالعنوان وتصميم الغلاف وبعض التفاصيل وبما اعتبرته حضورا زائدا للمؤلف في النص ... لكني بسرعة، تذكرت أن الكتاب هو في واقع الحال، مذكرات وشهادة على حقبة من حياة الكاتب وتاريخ بلاده.
هكذا بدأت اكتشف وأستعذب الأسلوب والمضمون وطريقة رصد الأحداث والوقائع واللقطات التي سجلها الكاتب بفطنة ودقة ورشاقة مثل الفنان الذي يرسم بريشته، لوحة مخضبة بألوان كثيرة لكنها متناغمة ومعبرة ـ في تنوعها ومفرداتها والأخيلة المحيلة إليها ـ عن عمل متكامل تربط بين أجزائه خيوط رفيعة ، تقوي تماسك بنيانه وتعمق معانيه .
واستعذبت أيضا في القراءة الأولي ، تحين الرجل كل سانحة ، لإتحاف القارئ بوارد وشارد المعاني وتليد وطريف المعارف والمآثر، في المتن وفي الحواشي.. فهو فيما يبدو شديد الحرص، على أن يسخو للأجيال بفيض ثقافته بل وحتى بكل صبابة أو شذرة تفيد، إن لم يفرضها السياق، اقتضاها كمال العمل والجود في العطاء
الكتاب ظهر لي من خلال القراءة الأولى وكأنه على نحو ما، مجازفة فهو ـ رغم دماثة وحياء ـ يقدم بشجاعة، وقائع حساسة ويتحدث عن أسرة الكاتب وزوجه على نحو غير معتاد في مجتمعنا التقليدي وعن أشخاص ما يزالون أحياء يرزقون ويصف مواقف وأفكارا وتيارات، بلغة لا تخلو أحيانا من مشاكسة ولهجة مستنبطنة عدم الرضا بل والنقد الصريح أحيانا أخرى
الكتاب ليس كتاب وزير فحسب بل هو أيضا كتاب إداري وسفير ورجل وإنسان عصامي بصير بما يكتب، شديد اليقظة والإحساس بما يحيط به.. هو أيضا كتاب صحافي سابق لزمانه .. وبشأن هذه الحيثية الأخيرة التي أشطار الكاتب بعضا من همومها وشجونها وإن كنت إزاءه فيها، ابن لبون (لا ضرع يحلب ولا ظهر يركب) فإني تفاجأت بتقدم وحادثة مفاهيمه ومقارباته فهو يقدم أفكارا ومعالجات حديثة ومتطورة في مجالات الإعلام والاتصال والحرية.
القراءة الثانية، هي هذه التي دعاني إليها المركز المغاربي للدارسات الإستراتيجية ممثلا في رئيسه د/ ديدي ولد السالك وبتوصية لطيفة ومقدرة من المؤلف. وقد مكنتني من استكناه بعد جوهري في هذا الكتاب، هو عبارة عن توصيف تاريخي لكيفية تشكل أو تكون الفساد الذي سيصبح صناعة أو تكنولوجيا أسستها إدارة، لا تجيد سوى الطاعة العمياء للحاكم المتغلب ونهب غنائم الاقتصاد الريعي الذي أقامته
أهمية هذا التوصيف أن المؤلف وهو رجل مخضرم تحمل المسؤولية أيام كان في الإدارة بعض الخير والحياء وتحملها حين بدأ الفساد يتسلل إلى العقول وتحملها بعد أن حاك في النفوس واستحكم في الممارسات والمسلكيات .. فهو بذلك شاهد عيان شديد الأهمية خاصة أن كل تلك المراحل ـ ولا أزكي على          الله أحدا ـ لم تنل منه ولم يقبل أثناءها، التورط والتردي في وحل المغريات ولم يلجأ للتذلل والتسفل وتسقط فتات موائد الحكام رغم أنه كان محسوبا على "المؤسسة أو النظام " ومنسوبا للفئة البرزواجية وسنكتشف أنه لا يجد غضاضة في التصريح بأنه لجأ إلى بيع أثاث بيته لسد خلة أسرته وقضاء بعض الأمور الملحة. أليست نظافة اليد لشخص مثله وفي ظروف كالتي عاشها، استثناء وميزة، تذكر فتشكر؟ 
    لقد قدم لنا هذا الكتاب لقطات وصورا معبرة، تغني كل واحدة منها عن كتاب وتختزل وضعا بكامله
إحدى هذه الصور: وصف مكتب مدير الديوان الرئاسي الذي كان بمثابة الرجل الثاني في النظام من حيث النفوذ والأهمية كانت الملفات مكدسة على المكتب والأوراق متناثرة مع وجود بيوت العناكب في الزوايا وفوق الرؤوس، كما سبق وأن شاهدت قبل ذلك بأيام، في مكاتب والي النعمة ومقرات إدارته
صورة ثانية: قصة توقفه للتزود بالوقود في ألاك ليلا وإعراضه عن تقديم رشوة لبائع البنزين وشعوره بالذنب واستهجانه لظاهرة "التبيب" التي هي ظاهرة جديدة عليه وهي كلمة دخيلة أيضا على اللهجة الحسانية وأصلها، كما أفادنا المؤلف، ولفي ومعناها المقايضة.. ونكتشف من القصة تردد الرجل واضطرابه ووجله وهو يكتشف ربما لأول مرة، أن الرشوة، أصبحت بكل بساطة معاملة من المعاملات تمارس في كل الأوقات وعلى كل المستويات وربما اقتضى الحال وضع فقه خاص بها أو قانون ينظمها.. 
ويمضي الكتاب فيضيء لنا الكثير من الجوانب المظلمة في حياة الدولة وانعدام الجدية وشدة الاستخفاف والاستهتار بكل شيء حتى بالتعيينات الوزارية واجتماعات مجلس الوزراء وسيطرة الروتين الإداري وهامشية دور الوزير وتركز السلطة على مستوى رئيس الجمهورية ويبين لنا أن إصدار قانون واحد مع نصوصه التطبيقية، قد يتطلب من الوزير ما بين 6 أشهر إلى سنة وهذه المدة هي متوسط التوزر في حكوماتنا المترحلة، أي أن أفضل الوزارء يستطيع بالكاد في عمره الوزاري ، إصدار قانون واحد
مجلس الوزراء كما يستشف من وصفه في الكتاب، يشبه في اجتماعاته فصلا من فصول المدرسة الابتدائية يجلس أمامه معلم متسلط لا يهتم بالتفوق وإنما يحرص على الهدوء والنظام والطاعة. ويعقد المجلس اجتماعات شكلية فالقرارات المهمة لا تصدر عنه وهو لا يدرس أصلا القضايا الإستراتيجية والملفات المعمقة ويكتفي بتسيير اللحظة والتباري في إعلان الولاء والمساهمة في تضليل وتدجين المجتمع .
يقدم الكتاب تعريفا ظريفا للوزير قد يجعل القارئ يشفق عليه فهو شخص يتقلد وظيفة سامية مرغوبة لذاتها لكنها وظيفة تقيده وتختزله وترتب عليه واجبات ومسوؤليات كثيرة ، لا حول له فيها ولا قوة.
 يروي لنا الكتاب جوانب من الأساليب التي استخدمتها الأنظمة للتحكم في الناس وترسيخ الأحادية وبث الرعب والخوف من الشخص الوحيد الذي ينفع ويضر ، يرفه ويضع أ لا وهو الرئيس، فالوزارة لا تخضع لمعايير الكفاءة والاقتدار وحسن الأخلاق بل هي مثل الأرجوحة ترفع من لا يستحق وتهبط بمن تشاء ثم تدوس على الجميع بعد أن يكونوا قد تورطوا في الطاعة والفساد فيصير الجميع، سواسية كأسنان المشط، لا أحد يفضل أحدا . الفضل فقط لولي النعمة، مصدر العطاء المتصرف في ملكه ، السيد الرئيس
ثم يعرفنا الكتاب عن الإدارة الموريتانية التي تقودها حكومة ذلك جزء من مواصفاتها.. مثل تلك الإدارة لا يصلح إلا كجهاز للوشاية وممارسة للحيف والسيطرة بالاستبداد، جهاز يتحكم فيه ويتنافس من خلاله، الشطار "آفكاريش" متقنو التزلف وإفساد عقليات المجتمع ونشر فاحشة النهب التي ستجعلنا     نترحم على السرقة والاختلاس حيث سيتبين لاحقا، أنهما ظاهرتان لطيفتان         بالمقارنة معه.
الوزير وغير الوزير الناهب والسارق والمرتشي وغير هؤلاء وأولئك .. الكل - إلا من رحم ربي- تنازل عن مسؤولياته وواجباته وطبل الإعلام الحكومي وزمر شعراء التكسب وخريجو مدارس التملق حتى وقع في عقول البسطاء أن الفساد والشطارة والاستقالة والفشل، جزء مقدور من تسيير الدولة وأمر مقبول أو مطلوب، فصار الكل إلى التنافس والتلاعب بالإدارة وبالنخب وبالعلم والعلماء وأسس الدولة ومؤهلاتها، وكانت النتيجة، إفساد الذمم وتزوير الحقائق
هذا هو الانقلاب الحقيقي الكبير الذي وقع في الصميم وليس الانقلابات العسكرية التي عرفناها على كثرتها. ولقد أماط كتابنا هذا، اللثام عن كيفية وقوع ذلك الانقلاب وكيفية تأثير أهل الحل والعقد الجدد على المجتمع ونجاحهم في إعادة تشكيل عقوله وعاداته ومسلكياته وتمخض ذلك عن سيطرة القيم المادية وطرد القيم المعنوية وإقصاء المتمسكين بها
أعتقد أنه يستحيل تقديم خلاصة واحدة لهذا الكتاب، فكل سطر منه يتحفك بمعلومة جديدة أو اكثر، ولذالك فإني فقط  أحيي شجاعة الكاتب في نشر الحقائق والوقائع كما أحيي وفاءه لثقافته ولغته العربية وللرجال الذين اخلص لهم واخلصوا له وتمثله القيم والمثل التي نص عليها في مؤلفه وابتعاده عن هتك أعراض الناس والتعريض والوشاية بهم والتنكر للماضي
كما أني سعيد بأن أكتشف من خلال الكتاب، محمد محمود، الرجل الديمقراطي الذي يرفض الانقلابات والإصلاحي الذي يحارب الفساد والإداري الملم بمختلف جوانب الحياة في البلد والدبلوماسي الناجح اللبق، بعد أن كنت عرفته صحافيا واسع الإطلاع شغوفا بالثقافة والعلم
نعم لا أخفي إعجابي بالكاتب وبهذا الكتاب وخاصة فصله التاسع الذي عنوانه: مجتمع انواكشوط وبيئته  ولكني بعد قراءته أشعر بأني أشفق على هذا البلد وأتحسر على أن الحكام والسياسيين ـ فيما يبدو ـ لا يقرءون ولا يعتبرون ولا يستخلصون الدروس من الماضي ومن أسلافهم "الميامين" وينسون بسرعة أسباب وجودهم ووجود من كان قبلهم

ولا حول ولا قوة إلا بالله




عرض لكتاب: الوزير: "تجربة وزير مدني في حكم عسكري 
إعداد الحافظ ولد الغابد
(نشر هذا العرض قبل الجلسة )

صدرت الطبعة الأولى من كتاب: الوزير: "تجربة وزير مدني في حكم عسكري" لمؤلفه الباحث ووزير الإعلام محمد محمود ولد ودادي ويعرض ولد ودادي تجربته كسفير لموريتانيا في عدة عواصم عربية لمدة اثني عشر سنة والمستشار بالرئاسة المؤتمن على العديد من ملفات الأمن القومي الموريتاني في العهدين المدني والعسكري وأحد الساسة والمثقفين الموريتانيين البارزين في المشهد الثقافي والفكري، الموريتاني وقد زود المكتبة الموريتانية بترجمته لعدة مؤلفات للباحث الفرنسي بول مارتي الذي ألف العديد من الكتب التي رصدت جوانب من تاريخ الحياة الثقافية والاجتماعية والعلائق السياسية ما بين القبائل الموريتانية خصوصا في المناطق الشرقية .
  ويقدم ولد ودادي هذه المرة للمكتبة الموريتانية كتابا غنيا عن تجربته كوزير في حكومة العهد السكري محللا بعمق البنية الإدارية للسلطة السياسية وكاشفا النقاب عن خفايا وخبايا البلاط الرئاسي الذي عرف تحولات عميقة خلال الحكم العسكري في السنوات الأولى من حكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع تختلف عما كان عليه الحال خلال الحكم المدني (1960-1978.
وتقتصر الفترة التي يقدمها "الوزير" ولد ودادي في كتابه على سنوات 1985-1986-1987) ) ويحلل الكاتب الوزير، في فصل تمهيدي قصير دواعي الكتابة في هذا المجال، معتبرا أن الكتاب ليس مذكرات سياسية ولكنه "وصف مختصر لما شاهدتُه وتعاملت معه خلال الفترة المعنية، ونقلٌ لبعض أحداثها باستثناء قضايا حساسة تتصل بجوهر مصلحة موريتانيا ومستقبلها وعلاقاتها الإقليمية ارتأيت أن الوقت لم يحن بعد للتعرض لها".
  والكتابة في الموضوع من ناحية أخرى "تعبير عن الهموم التي أحملها وبعض الآراء التي عبرت عنها جملة أو تفصيلا في المناسبات الرسمية وفي مجلس الوزراء، راجيا أن تكون إسهاما في توضيح الرؤية عن فترة من تاريخ موريتانيا الحديثة، ودعوة لرجال سبقونا وتحملوا مسئوليات أكبر منا ولفترات أطول ولغيرهم من مثقفينا خاصة من جيل الاستقلال، لكتابة مذكراتهم السياسية .. على غرار ما سبق إليه مؤسس الدولة الرئيس المختار ولد داداه من تدوينِ ملخّصِ تجربته الثرية في كتابه المميز "موريتانيا على درب التحديات".
فصول الكتاب
يقدم المؤلف في هذا الكتاب خمسة عشر فصلا دون أن يعتمد مصطلح الفصل قبل عنوان الفصل أو القسم تبدأ بعنوان: 1- دخول الحكومة وتنتهي بالعقيد معاوية ابن الطايع وجاءت العناوين الأخرى على النحو التالي: 2- دخول الحكومة 3- الوزير 4- ظروف العمل والنشاط اليومي 5- وضع قطاعات الثقافة والإعلام والمواصلات 6-الإعلام واجهة الدولة 7- نحن والإصلاح 8- العلاقة مع الديوان الرئاسي 9- مجتمع نواكشوط وبيئته 10- مدرسة التملق 11- القبيلة وجماعات الضغط والرأي العام 12-  المهمات الخارجية 13- الخروج من الحكومة 14- مشكلة نظام الحكم والبدائل المتاحة 15- العقيد معاوية بن الطايع.
واحتوى الكتاب ملاحق ووثائق هامة احتلت ثلث صفحات الكتاب (مئة من ثلاث مئة صفحة) من أهمها قائمة بأسماء الوزراء في العهدين المدني والعسكري وقد بلغ عدد وزراء العهد المدني حوالي 80وزير بينما وصل وزراء العهد العسكري حوالي 82 وزير كما احتوت الملاحق وثائق حول السياسة الإعلامية ورسائل وجهها الوزير ولد ودادي للرئيس وتقارير وتعليمات صادرة لعلاج مشكلات أو توضيح سياسات وإجراءات وتدابير اقتضتها سياسة الوزير. 


صعوبات العمل الوزاري
يقدم المؤلف صعوبات العمل الوزاري التي عايشها في ثنايا الكتاب متناثرة هنا وهناك ويشرح ظروف العمل والنشاط اليومي قائلا: إن الظروف التي يعمل فيها الوزراء تعد بالغة الصعوبة مقارنة بالسفراء والمديرين العامين فإمكانياتهم منعدمة والمنتظر منهم كثير وقد طلب إلي أحد الزملاء يوما أن أقارن بين وضع الوزير والسفير فأجبته ما زحا: "السفير يمثل رئيس الدولة وسيارته تحمل باستمرار علما ويجلس خلف السائق الذي يفتح له الباب ويدعى صاحب السعادة وهو في الخارج بعيدا عن جو نواكشوط الموبوء بالكيد والنميمة أما الوزير فهو خادم للجميع سيارته بالية ويجلس بجنب السائق ويدعى الزميل CAMARADE ".
  ويصف حالة الآليات والموجودات بالوزارة قائلا: "وفي المكتب لا توجد وسائل معقولة للعمل فالسكرتارية منعدمة في أغلب الأحيان حتى أنني في وزارة الإعلام – وهي من أقدم القطاعات – لم أجد راقنا واحدا على الآلة الكاتبة العربية كما لم أجد الآلة نفسها وقد اضطررنا إلى تلفيق طاقم من الهيئات التابعة للوزارة. والمتابعة في السكرتارية منعدمة بسبب سوء التنظيم الإداري وندرة الملفات المحفوظة.
ولا يوجد أثر لأي جهاز تلفوني حديث أو لآلة تسهل العمل فنحن ما نزال في هذا المجال في عصر الخمسينات وقد كنت أضطر إلى كتابة الرسائل والتعليمات والأوامر بنفسي.
ومن أصعب التحديات التي واجهتها عند استقبال الخريجين والوجهاء الحصول على أعمال للعاطلين إذ كنت أرفض الضغط على المديرين التابعيين للوزارة مكتفيا بعرض الأمر عليهم في رسالة تضم أسماء واختصاصات المرشحين. ومن الذين تمكنت من حل مشكلتهم مجموعة متخرجة من إحدى الدول العربية رفضتها مديرية البريد لأنها مستعربة وهذا السلوك الذي اتبعته سبب الكثير من التذمر لدى الأقارب والأصدقاء الذين يرون أن على الوزراء اكتتاب الأقارب وتوزيع العطايا والكثير منهم يعلق الآمال على وصول ابن العام إلى موقع يمكنه من قضاء حوائجه".
ويضيف: "واعترف أن أكبر خسارة لي وأنا في الوزارة قطع الصلة مع العديد من أصدقائي الكثيرين وأسرتي الصغيرة التي لم أكن اجتمع بها إلا وقت تناول طعام الإفطار وقد تعثرت دراسة الأطفال بسبب مشاغلي الحكومية كما انشغلت كليا عن نشاطي العادي في الكتابة".
واستعرض المؤلف بإسهاب تجربة الوزير في العهد العسكري التي تميزت بصعوبات بالغة: "وينبغي الاعتراف بأن العهود العسكرية تميزت بالشك المفرط في ولاء الوزراء وعلاقاتهم بغيرهم ومع الدبلوماسيين الأجانب ويجد البعض العذر في ذلك عند العودة بالأذهان إلى ممارسات مثل التي كان يقوم بها علنا وبطريقة مبتذلة بعض الدبلوماسيين والأجانب مع بعض رجال الدولة والمواطنين المحسوبين على تنظيمات تابعة للخارج والتي عرفت بالممارسات "الرُّفيْعية". (نسبة إلى سفير عراقي سابق في نواكشوط بداية الثمانينيات كما بين المؤلف في الهامش.
مواقف طريفة
  كما يستعرض تجربته الشخصية مع الديوان الرئاسي الذي كان من المفترض أن ينهض ببعض المهام البروتوكولية يقول: "فقد كان مقررا أن يزورنا أحد الضيوف واتخذنا الاستعدادات الضرورية على مستوى الوزارة وكلفنا فريقا من الموظفين بالسهر على قضية السكن والمعاش والمتابعة يوميا مع المراسم والديوان إلا أن هذا الأخير رفض تدخلنا في موضوع السيارات. وقد أكد لي رئيس الفريق أن كل شيء جاهز – بعد أن وفرنا من مصروفات التسيير في الوزارة على ضآلتها- النواقص الموجودة في الفيلا المخصصة لاستقبال الضيف من فرش وبطانيات ومناشف وأدوات صحية ثم توجهنا إلى المطار لاستقباله وبعد الوصول خرجنا إلى الموكب المهيأ للانطلاق فوجدنا أن السيارة المخصصة للوزير كانت عتيقة بشكل لافت للنظر بعدما قيل لنا إنها من الدفعة الجديدة التي بدأت تستعمل لاستقبال كبار الزوار، فركبناها وأنا في خوف من أن تتوقف، محاولا تطويل الحدث مع الوزير الزائر لشغله عن الانتباه لوضعها لكن بعد فترة بدأت أصوات مزعجة تصدر منها ومعها دخان العادم ثم وجهت نظري إلى مؤشر البنزين الذي كان يوشك على النفاد .. واستمر السير وأنا أخشى توقف السيارة في الطريق العام إلى أن وصلنا لله الحمد".
وشهد العهد العسكري السابق لحركة 12-12- 1984 أخطاء أضرت بعلاقات موريتانيا مع العديد من الدولن فكم مرة سلّم مبعوث موريتاني رسالة إلى رئيس ليست موجهة إليه أو كُتب اسم آخر على غلاف رسالة موجهة إلى رئيس دولة أخرى، أو تضمنت أو راق اعتماد السفراء أسماء غير صحيحة للقادة المعتمدين لديهم؛ ففي تونس مثلا تسلم الرئيس الحبيب بورقيبة رسالة يحملها وزير موريتاني، وعندما فتحها وجد أنها موجهة إلى الرئيس الشاذلي بن جديد، فما كان منه إلا أن صاح بأعلى صوته "أنا المجاهد الأكبر بورقيبة محرر تونس ورئيسها مدى الحياة، فكيف ألتبس مع العسكر"؟ وقد جرت المقابلة بحضور رئيس الوزراء التونسي ومدير ديوان الرئيس والسفير الموريتاني وآخرين.
وتعني وقائع الحادثة أن الرئيس الشاذلي بن جديد تسلم رسالة الرئيس بورقيبة لأن المبعوث مر بالجزائر قبل تونس؛ ومرة صرح أحد المبعوثين في الدوحة أنه"يحمل رسالة من الرئيس الموريتاني إلى الشيخ عيسى بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر" بينما هو الشيخ خليفة أما الشيخ عيسى بن خليفة فهو أمير دولة البحرين؛ وفي ظروف الديوان الحالية يمكن لمثل هذه الهفوات أن تتكرر".

مجتمع نواكشوط ودور القبيلة
 يستعرض الكاتب نماذج مختلفة للحياة الجديدة في العاصمة الموريتانية نواكشوط خلال مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، فيستعرض في البداية كيف سكن نواكشوط وهي قرية صغيرة ذات مجتمع غير متجانس في العام 1960 فكانت مدينة جميلة نظيفة وغير مكتظة، ولم يكن بها قبل سنة 1964 سجن باستثناء معتقل صغير يقع بجانب حاكم المقاطعة.
ويقارن ولد ودادي حياة سكان نواكشوط منتصف الثمانينيات مع الحياة فيها منتصف الستينيات، حيث كانت تعرف حراكا ثقافيا وسمَرا ليليا ممتعا، مع جلسات الشاي الأسرية المصحوبة بالموسيقى الهادئة والأدب الرفيع، ويستدرك على المدينة في الفترة المتأخرة صخبها وتلوثها وارتفاع معدلات الجريمة والشعوذة والاعتقادات الفاسدة، مع غياب تام للوعظ والتوجيه، وسيطرة الجدل ما بين الأشاعرة والمتصوفة والسلفية، وهي خلافات تتدخل فيها الهيئات الأجنبية وحتى الدبلوماسية، دون أن تتصدى لذلك الجهات الرسمية المعنية، مما قد يلحق الضرر بعلاقات البلاد ببعض الدول الشقيقة التي لا تريد لموريتانيا إلا الخير والاستقرار، ولكنها تجهل تصرفات بعض ممثليها في نواكشوط.
ويصف ولد ودادي ظاهرة التملق التي كانت سائدة في المجتمع الموريتاني وتفاقمت في الفترة الأخيرة ويقول: "انطلاقا من رفض الجمهور لبوادر النفاق السياسي عبر الإذاعة الوطنية، كان أول قرارين اتخذتُهما عند ما عينت مديرا للإذاعة في فبراي   1970 يلغيان مجموعة (أشوار) -أناشيد – بالحسانية كانت تمجد الرئيس المختار ولد داداه، وبرنامجا يوميا قصيرا بعنوان "اغْنَ حزب الشعب" يستهله صاحبه وهو شاعر ووجيه نافذ بقوله: "حزب الشعب ألا من الله" وهو تعبير صالح لأن يكون من المدح والذم؛ وقد أقرت اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب (الذي تتبعه وسائل الإعلام) هذين الإجراءين مما يبرهن على أن القيادة السياسية والرئيس المختار خاصة، لم يكن يحبذ هذه الأساليب، بل يمجها، كما يعرف ذلك مساعدوه". ويسرد المؤلف حكايات وتجارب عن التملق وتأثيره السيئ على الإدارة الحكومية، حيث غابت الروح النقدية والتقييم الموضوعي للأداء.
  ويستعرض المؤلف في الفصل الأخير الصداقة الشخصية التي جمعته بالعقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، مبرزا جديته وتقشفه وعزوفه عن جمع المال، محللا الطريقة التي وصل بها إلى السلطة، ومعتبرا أن العقيد ولد الطايع كان ذا طموح ورأي سياسي حصيف، مبرزا ملاحظات سلبية تتلخص في سلوكه العسكري الجاف الذي ظل ملازما له طوال سنوات ممارسته للسلطة.
ملاحظات ختامية

1-  يؤخذ على الكتاب إغفاله للكثير من الأسماء التي وردت بشأنها ملاحظات سلبية في ثنايا الحديث وسياقاته، أراد المؤلف على ما يبدوا أن يتجنب بها نقد الكثيرين أو ردودهم، لكن من وجهة النظر التاريخية والتوثيقية، فستظل هذه من أهم النواقص المسجلة على الكتاب.
2-  لم يشأ المؤلف أن يخوض كثيرا في تحليل بعض الأحداث التاريخية التي عاصرها، والخروج بترجيح لبعض وجهات النظر التي تعددت الروايات حولها، بل اكتفى بالإشارة أحيانا لرؤيته للحدث دون إطالة في التفاصيل.
3-  يعتبر الكتاب مرجعا مهما لأنه أعطى صورة عن اجتماعات مجلس الوزراء وأنماط العمل الإداري وتعاطي النخبة السياسية مع الشأن السياسي والعام من جهة، كما هو وثيقة هامة لدراسة أنماط السلوك السياسي في الدولة والمجتمع الموريتانيين.


هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم سيدي الفاضل شكرا على المحتوى القيِم و أريد من هاذا المنبر طرح سؤال يتعلق بفخظ من لقلال أسمه أهل دخنان و الأصل فيه من أولاد امبارك أريد منك لو سمحت أن تتطرق لهذا الموضوع إن أمكن و السلام عليكم

    ردحذف