الخميس، 8 مارس 2012

8 مارس عيد المرأة


يحيي العالم اليوم 8 مارس عيد المرأة، الذي بدأ في موريتانيا الاحتفال به منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وهي مناسبة يجب أن نتذكر فيها مكانة المرأة في هذا الكون، وهي التي نشأنا في رحمها، واحتضنتنا في أحشائها، وعلمتنا مكارم الأخلاق.
فلننحني إجلالا لأمهاتنا ونكرس أنفسنا لبرورهن والرفق بهن، وبأخواتنا وبناتنا، وأن نؤازرهن في معركة الحياة القاسية التي يخضنها بشجاعة وصبر وجلَد، ونعاملهن باحترام دون منة أو تعال.
 ويكفي من إعلاء شأن المرأة وشأن الذرية الصالحة التي تفي للأم بحقوقها قوله عز وجل في سورة الأحقاف {ووصّينا الإنسانَ بوالديه حُسنًا حَملته أمه كَرْها ووَضعَـتْه كَرها وحَمْله وفِصالُه ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أَشُدَه وبلغ أربعين سنة قال ربِّ أوْزِعنيَ أن أشكر نِعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والِدَيّ وأن أعمل صالحا تَرْضَاهُ وأصْلِح لي في ذُرّيتي إني تُبتُ إليك وإني من المسلمين، أُولائك الذي يُتقبّل منهمْ أحسنُ ما عملوا ويُتجاوزُ عن سيّئاتم وعْدَ الصِّدق الذي كانوا يُوعدون}

الأحد، 5 فبراير 2012

بابا أحمد بن حمّه الأمين في ذمة الله


   انتقل إلى رحمة الله يوم الجمعة عاشر ربيع الأول الأستاذ بابا أحمد بن حمَه الأمين في مكة المكرمة حيث كان يجاور المسجد الحرام منذ سنة 1995، بعد مرض عانى منه خلال السنوات الأخيرة، فدفن بجوار أمه التي جاورت في نهاية خمسينات القرن الماضي وضريح أخيه لأمه، رحمهم الله جميعا، وأسكنهم فسيح جنانه، وألهم الأهل والمريدين والأصدقاء الصبر وحسن العزاء. إنا لله وإنا إليه راجعون.
   لقد أُصبت كغيري بالحزن العميق لفقدان علم بارز كرّس حياته للعلم وخدمة الناس، منذ نعومة أظافره وحتى آخر أيامه. ولد الفقيد سنة 1936 في الكرباله من ولاية البراكنه، لأبيه البكاي بن حمّه الأمين حفيد الشيخ سيد المختار الكبير الكنتي، ولأمه فاطمه بنت أبنو عمر الأبييريه. وقد فقد أباه صغيرا، لكن ذلك لم يفتّ في عزيمة الأم الصالحة التي ربته أحسن تربية، فحفظ القرءان الكريم في سن مبكرة، ثم نهل من معين حضرة الشيخ المربي سيدنا بن حمادي بن زين العابدين بن الشيخ سيد المختار، ومن هناك انتقل إلى بوتلميت.
ذكرياتي مع الفقيد
في سنة 1957 التقيته لأول مرة في بوتلميت، عندما وفدت للدراسة في معهدها العربي الإسلامي، الذي أنشأه الشيخ المصلح والداعية الكبير عبد الله بن الشيخ سيديا رحمه الله، بدعم من حكومة مستعمرة موريتانيا، لاستقبال الطلبة الموريتانيين وأبناء مستعمرات إفريقيا الغربية، قبل أن يتحول إلى مؤسسة وطنية بعد الاستقلال. 
    وبما أنه سبقني في الانتساب إلى المعهد، استقبلني بكل حرارة وغمرني منذ الوهلة الأولى بالعناية، متفانيا في خدمة الجميع، خاصة نحن الوافدين الجدد إلى الحياة المدنية، والدراسة في مؤسسة تختلف عما عهدناه في المحظرة من قراءة متن واحد، بينما كان المنهج الجديد غاية في التكثيف والصعوبة، إذ تحرص الإدارة على أن يستكمل الطالب في أربع سنوات المتون التي كانت تدرس في المحظرة خلال عشر سنوات،  مثل الألفية والكافية ولامية الأفعال ودواوين الشعر المعتمدة والعروض ومختصر خليل، إضافة إلى الحديث والأصول وصحيحي البخاري ومسلم وبعض كتب العقيدة، وقبل ذلك القرءان الكريم لمن لا يحفظه. ولم يكن بالمعهد من المراجع ما يكفي للطلبة، وهنا برز دور بابا أحمد الذي أعطاه الله موهبة في نسخ الكتب، فكان يوفر لعدد من الطلبة نسخا من المراجع المقررة مثل احمرار ابن بونه على الألفية، وطرة الحسن بن زين على اللامية، وغيرهما من أنظام وفتاوى العلماء الموريتانيين التي لم تكن قد طبعت؛ فتكاد لا تراه إلا منكبا على درسه أو ناصبا ركتبه اليمنى لنسخ كتاب، وساقُه مخضَبة بالمداد الأسود والأحمر. ويعود له الفضل في انتشار العديد من النصوص النادرة التي لم تكن متوفرة إلا في مكتبة أهل الشيخ سيديا، مثل مؤلفات الشيخ سيدي المختار الكبير وابنه الشيخ سيدي محمد. ولم يكن ذلك يمنعه – كآخرين - من القيام بنوبته في خدمة المجموعة، التي كانت في سنوات المعهد الأولى تعتمد في بعض جوانب حياتها على العمل الذاتي.
   وكان بابا أحمد في الوقت نفسه أثيرا لدى الأساتذة المدرسين، فقدمنا لهم ووفر علينا كلفة التأقلم، فاحتضننا معظمهم كالمرابط محمد عالي بن عدود أستاذنا في المختصر وابنه محمد يحيى أستاذنا في الألفية، وأحمد بن مولود بن داداه الذي يدرّسنا الشعر العربي والبلاغة، وغيرهم رحمهم الله جميعا. ومن ذلك اليوم ظل بابا أحمد أخا ناصحا وصديقا وفيا، رغم الفرقة التي فرضتها ظروف العمل، وأدت أحيانا إلى الابتعاد عن الوطن.
المعلم الباني
   بقينا معا حتى سنة 1960، لأنضمٌّ إلى الإذاعة، ويلتحق هو في العام التالي بالتعليم، فيتنقل داخل البلاد، معلما في الحوض وكيديماغا والعصابة ثم تكانت، حيث أصبح مدير مدرسة حلّة أولاد سيد الوافي المتنقلة أيام الترحال، ثم مديرا للمدرسة الابتدائية عند انتقال المجموعة إلى الرشيد؛ وهي فترة في غاية الصعوبة على سكان الوادي بل على تكانت والبلاد بشكل عام، لأنها بداية موجات الجفاف الذي أصاب الزرع والضرع، وشرد السكان؛  وأمام هذه الظروف القاسية ظهر معدن الرجل على حقيقته، من همة وصلابة؛ تحت ثوب من الوداعة الفطرية وطيب المعشر؛ إذ لا تراه إلا ضاحكا أو مبتسما، وسيطا بين الناس لا يستعصي عليه حل معضلة. فكان المعلم المجتهد والمدير المتنور، والمساعد النافع لأهله وقومه، يسير في مقدمتهم في معركتهم ضد الجهل والفقر والعزلة، وفي عملهم لتشييد حاضرة الرشيد الحديثة، بعد النزوح من البادية، باذلا علمه وجاهه وماله ليس في عمله الرسمي فقط، وإنما أيضا في المسجد ومدرسة ابن عامر، وحلقات التوجيه والإرشاد الدورية، وفي العمل الطوعي. 
   وظل سيّدي – كما يحلو للسكان أن يخاطبوه – قطب الرحى، الأب والأخ والصديق، لم يسجّل عليه في أي يوم انحياز في خلافات أو تبني موقف ناشز، أو تقاعس عن مكرمة أو بذل في أعطية أو مداراة؛ صَالحَ بأخلاقه العالية بين السكان والحكومة. إذ أن أهل الرشيد الذين نُكبت دشرتهم سنة 1908 ببطش الاحتلال - الذي ضربها بمدافع الميدان في سابقة لم تُعرف لغيرها في موريتانيا – عاشوا كالمطارَدين طيلة عقود الاحتلال، ينظرون إليه كعدو داهم، يحرّمون منافعه والاختلاط بممثليه، شاردين بدينهم في الصحاري والجبال. ولم تبذل الإدارة بعد الاستقلال جهدا لتغيير الصورة، وظل الناس مرتابين من ماهيتها، وهل هي سلطة مسلمة خالصة، أم بها شائبة من النصارى؟. وبتدينه الراسخ وسلوكه الملتزم جسد سيّدي – مدير مدرسة الحكومة - أول دليل قوي على أن شيئا قد تغير، وأن "ولاّت انْصارَ" قد انسحبوا معهم. فكانت تلك بداية لنظرة إيجابية إلى السلطة القائمة، مما جعل الناس يُقبلون على تسجيل أبنائهم وحتى بناتهم في المدرسة الرسمية، التي أصبحت إعدادية ثم ثانوية، وتخرج فيها العشرات، المسلحون بالمعرفة في مواجهة وطأة المشاكل نفسها: الفقر والجهل والعزلة، وكلهم يدينون للرجل بأفضاله.
  وظل بابا أحمد في الرشيد حتى سنة 1984 لينتقل إلى نواكشوط كمراقب في الثانوية، ثم باحثا في المعهد العالي للدراسات الإسلامية، متفرغا لنشاطه العلمي، الذي غذى به جل مقتنيات زاوية الشيخ سيد المختار من الكتب، حيث كان أحد مؤسسيها، ضمن عشرات المبادرات الخيرية التي كان حريصا على أن لا يغيب عنها.
   إن رحيل الفقيد يترك فراغا كبيرا في موريتانيا، وفي الرشيد بصورة خاصة، وعزاؤنا في ما له من مئاثر خالدة، وفي وجود أسرته الكريمة، التي تربت في كنفه، وتحت رعايته، فهي إن شاء الله خير خلف لخير سلف. 
 
محمد محمود ودادي  11 ربيع الأول 1433 – 4 فبراير 2012

الأحد، 6 مارس 2011

الذكرى الثانية لرحيل الطيب صالح


بسم الله الرحمن الرحيم

أشكر نادي القصة دعوته لحضور هذا اللقاء، المخلد للذكرى الثانية لرحيل الطيب صالح.
كان أول ما خطر ببالي عندما قررت الحديث في هذا اللقاء ثلاث محطات:
الأولى في الدوحة في ربيع 1975 حيث أقمت مع الطيب صالح علاقة استمرت طيلة العقود الأربعة الأخيرة. كانت المناسبة اجتماع اتحاد الإذاعات العربية، حيث كنت أرأس الوفد الموريتاني، بينما يرأس هو الوفد القطري، بوصفه مديرا عاما للإعلام في قطر أي المشرف على الوزارة قبل أن يكلف بها وزير، حيث كان الآمر الناهي في هذا القطاع الحيوي للدولة الناشئة، والمشرف الفعلي أيضا على الشئون الثقافية.
   خلال الجمعية العامة لاتحاد الإذاعات، وردتْ عدةَ مرات ـ في كلمات رؤساء الوفود ـ الدعوة إلى مدّ يد العون للإذاعات الفقيرة في اليمن والسودان والصومال وموريتانيا؛ وهو ما جعلني أتناولت الكلمة لأقول: إنني ـ نيابة عن نظرائي مديري إذاعات هذه الدول التي تصفونها بالفقيرة ـ أحتج على هذه الطريقة التي تعاملوننا بها، وأرجوكم الكف عنها، لأن مؤسساتكم ليست مخولة أصلا بتقديم العون، بل أنتم – كما يتضح من الوثائق المتداولة ـ بحاجة إلى موازنات تغطي احتياجاتكم الخاصة. وعلى كل فإن الحكومة الموريتانية – إن قررت طلب عون لإذاعتها ـ ستتوجه إلى من يعنيهم الأمر، وهم ملوك وأمراء ورؤساء الدول، وليس إلى مديري الإذاعات، الذين لا يملكون إلا تحسين الصورة أو تشويهها، وهو ما قد يكون وقع اليوم.
وقد ساد وجوم بين الحاضرين بسبب مفاجأة الرد، وبدأ رئيس الجلسة في الاعتذار، ومعه عدد من رؤساء الوفود منهم محمد سعيد الصحاف مدير عام الإذاعة والتلفزيون العراقي آنذاك، وقد اتجه نحوي الطيب صالح من مقاعد الوفد القطري فعانقني وقال بصوت مسموع ما معناه لقد أحسنت.
وفي اليوم الموالي سلّمته رسالة من وزير الثقافة والإعلام آنذاك أحمد بن سيدي بابا تعرب عن الرغبة في التعاون بين القطاعين، فاستفسر مني الطيب صالح قائلا: "هل باستطاعتي أن أسألك عن إمكانية دعمنا لقطاعات الإعلام والثقافة في موريتانيا؟" فضحكت وقلت له: إنكم مَن أعني، حيث تملكون الإمكانيات والصلاحيات عكس زملائنا أمس، ثم استقبل أميرُ دولة قطر رؤساء الوفود، فنبهه الطيب صالح إلى الخطاب الذي حملته، وهكذا زار الطيب صالح نواكشوط في أكتوبر من تلك السنة ليحمل معه مبلغا كبيرا من دولة قطر، موّل تأسيس المعهد الموريتاني للبحث العلمي، ودُعمت منه الوكالة الموريتانية للأنباء، والشركة الموريتانية للصحافة الناشئتان.
   المحطة الثانية كانت هنا في نواكشوط، بعد زيارته لموريتانيا التي قادته لعواصم ولايات الترارزه، وداخلة نواذيبو، وآدرار، ومدينتي المذرذره وشنقيطي، حيث قال: "لو أتيحت الفرصة لإعادة كتابة تاريخ اللغة العربية لقيل إن منبعها موريتانيا".
   ومن هذا التاريخ كسبتْ موريتانيا الطيب صالح، الذي أصبحت في مقدمة اهتماماته، يتحدث عنها في المهرجانات والندوات واللقاءات، حتى رحيله، فكان سفيرها المتجول الذي لا يوصد أمامه باب، ولسانَها في المنابر العربية والأجنبية، معوضا عن قصورنا في التعريف بأنفسنا، حتى أصبحت موريتانيا لدى محاوري الطيب صالح الموضوع الحاضر، ليس من باب الإلحاق، وإنما منبعا للثقافة العربية، ومصدرا رئيسا للتراث الإسلامي المشترك، ونصدر تسامح وإنصاف، يتجلى في أجمل حلله بما تحتله المرأة الموريتانية من مكانة سامقة، لا بالقوانين المستوردة ودعوات التغريب والمسخ.
  وقد بلغ حبُّ الطيب صالح لموريتانيا وأهلها حدا جعله يخرج أحيانا عن وقاره وهدوئه المعروفين، عندما يُخدش وجه موريتانيا العربي الإسلامي الناصع، حتى ولو كان ذلك من الموريتانيين أنفسهم.
 المحطة الثالثة، في خريف 1988 بباريس، حيث كان يقول "يجب أن تنتهي الحرب في السودان، لئن لا يفقد بلدنا أعز ما لديه، وهو استقلاله وهويته، حتى لو كان ذلك بالانفصال" وها هو السودان ينهي هذه الحرب بالطرق الحضارية، عبر المفاوضات وتقرير المصير لسكان الجنوب، الذين ظلت حركاتهم السياسية والعسكرية مصدر القلاقل وذريعة لتكالب القوى الخارجية على السودان وأمنه، راجين من الله أن نكون في بداية مرحلة جديدة من الاستقرار، ليتمكن هذا البلد الشقيق التوأم، والمفصلي في إفريقيا والعالم العربي من النهوض والتقدم.
   ويومها تحدثنا طويلا عن مستقبل أمتنا العربية والإسلامية وقارتنا الإفريقية وبلديْنا بصورة خاصة، وعن إشكالية العلاقة بين الشمال والجنوب. وكان رأي الطيب صالح أن مصر هي مفتاح الإصلاح في العالم العربي، وأن وضعها آنذاك كان مثبطا للعزائم، وخاصة للسودان، الذي يرتبط معها بعلاقات مؤثرة على حاضره ومستقبله أكثر من أي بلد عربي آخر.
   أما رأيته في العلاقات بين الشمال والجنوب، فتعبر عنها قصصه ومحاضراته وكتاباته الغزيرة في الصحف والمجلات، التي نرجو أن ترى النور حتى ينهل منها الجميع. ولم يتستر الطيب صالح ـ المقيم في لندن والمتشبع بثقافة الغرب ـ على التناقض بين الغرب والشرق، كما لم يجامل في وقوفه ضد الاستلاب والمسخ، الذي هو من تجليات صراع الحضارات، الذي يريد البعض إنكاره خوفا من تغوّل الغرب بعد أحداث 11 شتمبر. ألم يَـنفِـر الطيب صالح من أن توصف أعماله بالعالمية حتى لو ترجمت إلى لغات أجنبية؟ حيث يرى أن العبرة باحترام العمل الأدبي لثقافة الشعب وأصالته، وتعبيره بصدق عن همومه التي هي في النهاية إنسانية.
   ومن فلسفة الطيب صالح نستخلص أن أبناء الجنوب أنداد لأبناء الشمال، لكن الجهل والظلم قد قضى بأن يظلوا متخلفين، يتصارعون داخل حدودهم وبين دولهم، ضمن أنموذج مشوه لنظام فصّله الاستعمار، وأدى إلى عقم في  السياسة ومسخ في الثقافة وترد في الاقتصاد، وتدمير للبيئة، لا خلاص منه إلا بابتكار نموذج محلي أصيل، قد يلتقي مع تجارب الغرب وتجارب الشرق، على أن يوصل إلى حكم ديمقراطي، منبعه الشعب، وقاعدته التداول السلمي على السلطة، ومبتغاه الحكم الرشيد والشفافية، يضمن المساواة والعدل، واحترام التعددية وحقوق الإنسان.
   إنكم  أيها الشباب في نادي القصة مدعوون إلى حمل الرسالة التي تركها الطيب صالح، عبر آثاره الخالدة، لتعبروا ـ بصدق ـ كما فعل هو ـ عن هموم شعبنا، وأن تنيروا له الطريق في صور أدبية أصيلة حتى ندخل القرن الحادي والعشرين، قرن كسر قيود التهميش والظلم، حيث لا منّة على الشعوب من حكامها بل تسابق للحكام على إرضاء الشعوب.
   إن انتفاض قطاعات واسعة من شباب الأمة العربية، على رأسهم شباب تونس ومصر، ليبشر بالخير، خاصة وأنهم رسخوا قواعد جديدة هي أن التغيير ممكن دون إراقة الدماء، ودون الفتنة بين الأغنياء والفقراء، أو بين أتباع الأديان، وفوق ذلك أن التغيير يتم دون إذن من القوى المهيمنة في العالم، بل حتى دون علمها.
   لقد أثبت شباب تونس ومصر أن شباب الأمة بخير، ودحضوا ما كان يروج عنه  من ضياع ولهث خلف المال والمتعة.
ذلكم نتاج تراكم ما خلفته الرؤية الثاقبة لكتّاب ومفكرين وفلاسفة وأدباء وروائيين وقصاصين، ورجال دين وسياسة، في طليعتهم الأديب الزاهد المسلم الطيب صالح، رحمه الله




الجمعة، 4 مارس 2011

وضع اللغة العربية خمسين سنة بعد الاستقلال



   طُرحت في أول اجتماع لمجلس الوزراء في شهر يناير 1961، أي بشهر بعد إعلان الاستقلال يوم 28 نومبر 1960، ثلاث قضايا اعتُبرت أهم ما يواجه الكيان الجديد، وبحلها يمكن تفادي بعض المطبات المنتظرة، وهي:
•    مكانة اللغة العربية
•    مصير المشيخة القبلية
•    التعامل مع الكوادر الذين تركتهم فرنسا لتسيير الإدارة
  
وقد حُسم الموضوعان الأخيران بترك الشيوخ القائمين آنذاك على وضعهم، وامتناع الدولة عن تعيينهم في المستقبل، لأنه من خصوصية القبائل والعشائر، لا دخل للدولة فيه، أما المتعاونون الفنيون الفرنسيون فقد تقرر الاحتفاظ بهم كمستشارين لا يتحملون أعباء رئاسية تنفيذية.
   أما اللغة العربية، فلم يصدر بشأنها قرار حاسم، وتُرك الأمر إلى الهيئات السياسية المنتظر إقامتها، مما فاقم الجدل بين النخب السياسية حولها ونغّص من عيش الجميع، حتى إعلان ترسيمها في فبراير سنة 1968.
   فبعد المؤتمر التأسيسي لحزب الشعب في دجمبر 1961 كان المطلب الدائم لأقسام الحزب، وللناطقين باسم السكان ـ في الزيارات الرسمية وغيرها من المناسبات ـ الترسيم الفوري للغة العربية، وذلك باستثناء قسمين في ضفة النهر، رغم تأكيد السكان التعلق بها، لأنها لغة القرآن الكريم ، وقد تطور الخلاف في صفوف الحزب إلى أن عُلقت أعمال مؤتمره الأول في شهر مارس سنة 1963، حيث ظلت أقلية فاعلة، منها أعضاء في المكتب السياسي والحكومة، تتمسك بالوضع القائم وهو استمرار الفرنسية ـ كما في الدستور آنذاك ـ لغة رسمية واللغة العربية لغة وطنية، متحججين بأن غير ذلك سيثير الاضطراب، بينما قاد الدفاع عن اللغة العربية معلموها الذين كانوا قلة، مقارنة بنظرائهم المتفرنسين، والذين كانوا يعانون من ضيم صارخ، أدناه أن رواتبهم لا تمثل سوى نصف رواتب نظرائهم.
   ونتيجة للاحتقان المستمر اضطرت الحكومة إلى إصلاح التعليم  وإدخال اللغة العربية كمادة إلزامية في المرحلة الثانوية، على أن يُطبق ذلك  تدريجيا، وهو ما أثار أحداث 9  فبراير 1966 التي شهدتها نواكشوط وكيهيدي وأدت إلى موت ستة أشخاص.
   ونتيجة لهذه الأحداث، تسارعت وتيرة التوجه السياسي نحو ترسيم اللغة العربية ووضع خطة ازدواجية التعليم بعد مؤتمر الحزب في يونيه 1966 بالعيون، ضمن تعليم موحد، تتساوى فيه اللغة العربية والفرنسية بحلول سنة 1979، وهو ما أجهضه انقلاب 10 يوليه 1978.
   وينبغي التنويه هنا بأن مَن أعلن قرار مؤتمر العيون بترسيم اللغة العربية عبر الإذاعة هو وان بيران ممدو عضو المكتب السياسي وزير الخارجية نهاية سنة 1966.


وضع اللغة العربية عند الاستقلال


    عندما نعود إلى عهد الاستقلال، نلاحظ أن اللغة العربية كانت لغة جميع الموريتانيين سواء منهم البيظان أو لكور والذين يستعملونها في كتابة لغاتهم المحلية، وهو الأمر الذي كان سائدا حتى ذلك التاريخ، أو قريبا منه في جميع دول إفريقيا المسلمة، سواء كانت ناطقة بالفرنسية أو الإنجليزية؛ وقد ساعد نفور الموريتانيين بجميع مشاربهم اللغوية من المدرسة الفرنسية إلى استمرار احتفاظ اللغة العربية بمكانتها رغم محاربتها من المحتل الذي تفرد بهذا النهج عن الاستعمار الإنجليزي ضد اللغة العربية، بل الموروث الثقافي للشعوب الخاضعة له.
   وبما أن الإدارة في عهد الاحتلال كانت تُسيَّّر باللغة الفرنسية فقط باستثناء محكمة القاضي الشرعي، فإن الكوادر الذين ورثتهم موريتانيا المستقلة وشكلوا نواة الإدارة الجديدة كانوا من المتفرنسين، وكانوا يعتبرون أن إدخال الناطقين بالعربية ساحة العمل سيؤول إلى منافستهم في وظائفهم وحرمانهم من الامتيازات التي يتمتعون بها.         
   وفي هذا الجو الذي تسود فيه الفرنسية، فإن الناطقين باللغة العربية لم يكونوا مؤهلين لتولي مسئوليات إدارية، وهو الأمر الذي تجاوزته السلطات الرسمية بعد ذلك، عندما عينت بعض المسؤولين خارج دائرة التعليم العربي في مناصب عليا وآخرين في الإدارة الإقليمية، التي تغلغل فيها التعريب خلال العقدين الأخيرين.


ويشرّف هؤلاء ما كتب عنهم الرئيس المختار بن داداه في مذكراته "إن مثقفي اللغة العربية قد أثبتوا أنهم قادرون على تحمل أعلى المسؤوليات الوطنية على قدم المساواة مع نظرائهم من الأطر الناطقين بالفرنسية الذين كانوا يعتبرون الناطقين بالعربية "أطرا ناقصين".


   وحتى الستينات لم يكن من المألوف استعمال الفصحى لدى الموريتانيين وحتى غالبية الشعوب العربية إلا في الكتابة، قبل انتشارها عبر الإعلام وخلال المؤتمرات العربية ثم الدولية. وكان تدبيج الخطاب النثري بالعربية الفصحى في البلاد، وإلقاؤه عمليةً ندر من يتصدى لها، بينما كان نظم قصيدة فصحى أو عامية أمرا شائعا ومتداولا في المناسبات، وهي مفارقة تعود إلى ما يلاحظه المهتمون من أن أبناء الحيز الغربي من بلاد شنقيطي، قد نبغوا في الشعر واعتنوا به، بينما نبغ أبناء الحيز الشرقي أي أزواد في كتابة النص العربي النثري.
   ويروي الرئيس المختار ولد داداه في مذكراته أن معلما مساعدا قد ألقى أمامه في إحدى زياراته لتنبدغه في الحوض الشرقي خطابا بليغا في شكله ومضمونه، مما جعله يستدعيه ليتولى ـ بعد تكوينه في الخارج ـ أعلى المسئوليات في الدولة، وهو العلامة عبد الله ولد بيه. وقد أدرج طلاب معهد بوتلميت في مطالبهم سنة 1960 الرغبة في أن يخاطبهم أساتذتهم بالعربية الفصحى خلال إلقاء دروسهم ، ومن هؤلاء الأساتذة الأجلاء المرابط محمد عالي بن عدود وهو من هو.
   وقد سبب تهميش اللغة العربية في أوساط النخبة الحاكمة لجوء الكثير من المستعربين إلى تعلم اللغة الفرنسية سواء بالسماع أو بالكتابة والقراءة،  حتى لا يظلوا على الهامش، فأصبح عدد منهم لا يستهان به مزدوجي اللغة، وهو ما لم يقم به الطرف الآخر. 
   وبالتوازي مع هذا الوضع كانت الحكومة تعمل على قدم وساق لتكوين كوادر باللغة العربية في المجالات الاستراتيجة المتصلة بحياة المواطنين وهمومهم، كالقضاء والتعليم والإعلام، فأرسلت مجموعة من هذه القطاعات الثلاثة إلى تونس، لتنهض بعبء إدخال التعريب في هذه المجالات، لكن بقية قطاعات الدولة ظلت عصية على اللغة العربية بسبب انعدام الكوادر،  وعندما توفروا في الثمانينيات من القرن الماضي، غابت الإرادة لدى السلطة ولديهم هم، فاستكانوا ليكونوا مهمَّشين حتى في الإدارات التي يتحملون مسؤوليتها، معتمدين على كتبتهم المتفرنسين، وهو أمر ما يزال قائما إلى اليوم.


   ويعود للإذاعة الموريتانية الفضل الأول في انتشار اللغة العربية بين فئات الشعب كافة، حيث كانت برامجها المتنوعة في الإخبار والتوجيه والتسلية والخدمات، سببا رئيسيا في انتشار الصيغ العربية والمصطلحات، وفتح آفاق واسعة للمواطنين، لينهلوا من المعارف التي كشفتها وسائل الإعلام، وقربتها.


وقد أجهض انقلاب 10 يوليه 1978 مشروع التعريب وقسم أبناء موريتانيا إلى مدرستين عربية وفرنسية، مما كان له أثر خطير على اللحمة الوطنية، وعشنا تداعياته في أحداث 1989 المؤلمة وما تبعها، وكذلك على وضع التعليم بشكل عام والعربي منه بشكل خاص.


مكانة اللغة العربية اليوم


   يتميز المشهد الوطني بوجود وجهين للدولة الموريتانية، أحدها ناطق بالعربية يتمثل في الإعلام العام والخاص، وفي الحياة السياسية، حيث يحرص الجميع على مخاطبة الناس بلغتهم، أما الوجه الثاني فهو الإدارة المفرنسة حتى النخاع، وحتى في الوزارات التي كانت معقلا منذ الاستقلال للغة العربية، كالتعليم والعدالة والإعلام والشؤون الإسلامية، وذلك في خرق فاضح للدستور، الذي يجعل اللغة العربية لغة البلاد الرسمية.


   إنها مفارقة، أن تظل إدارة الدولة بعد خمسين سنة من الاستقلال معزولة عن المواطنين الذين يحاصرونها ليل نهار لحل مشاكلهم، في غيبة حتى للترجمة التي كان الاحتلال يوفرها، رغم أن أكثر من تسعين بالمئة من السكان كانوا يعيشون آنذاك في البادية.
  ومهما كابرنا وتشدقنا بالوطنية وتغنينا بالأمجاد وبالماضي المضيء،  فإننا نقوم اليوم بعملية انتقام للاحتلال من آبائنا الذين انتصروا عليه في رفضهم لثقافته وتمسكهم بلغتهم ودينهم وأصالتهم، طيلة ستة عقود من احتلاله، كما نقوم بهدم ما أنجزه جيل الاستقلال بعد نضال وتضحيات جسام حتى تعود للعربية مشروعيتها التاريخية ومكانتها كلغة ثقافة وحضارة وعلم وتنمية.


   إن الأمر من الخطورة بحيث يوجب على الحكومة الموريتانية أن تبادر قبل فوات الأوان بتـعريب الإدارة لتكون إدارة المواطنين، وتفعيل الترجمة لمن يحتاجها، مع الإبقاء على استعمال اللغات الأجنبية، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، والعمل الجاد على تُبوُّئِ اللغات الوطنية البولارية والسونينكية والولفية، مكانتها الوطنية.  
   إن ما نعيشه من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية يعود في المقام الأول  إلى محاولة إلغاء هوية هذه البلاد، بالتنكر للغتها، لسان دينها وركيزة توازنها ومصدر مكانتها في العالم، مما عرض للضياع الأجيال التي تعلمت بها، لتحقق العزة والعيش الكريم، ويعرض أيضا أجيال المستقبل للمصير القاتم نفسه. فهاهو أكثر من ستة وثلاثين ألف ملف لخريجي الجامعات، تنام في دهاليز الحكومة، تسعون في المئة منها لخريجي اللغة العربية، الذين عجزت الحكومة عن توفير العمل لهم، خاصة وأنهم ممنوعون رسميا من العمل في البنك المركزي  كما يحرمون من التوظيف في البنوك الوطنية والأجنبية والمؤسسات الاقتصادية والصناعية والتقنية والسفارات والهيئات الأجنبية المعتمدة في البلاد، لأن لغتهم العربية!. ومن هذا الوضع، وليس من الفهم المنحرف للإسلام فقط ـ كما يقال ـ وُلد التطرف واليأس، المفضي إلى الانتحار وحمل السلاح، وهو ـ مع عوامل التهميش الأخرى ـ  مصدر الثورات العربية الجارفة اليوم، في مغرب العرب ومشرقهم.
   وإن من المفارقات أن أبناء أهل السلطة والطبقات الميسورة، لم يعودوا يتعلمون إلا في المدارس الأجنبية وكأن ذلك سيضمن لهم مستقبلا أفضل! في انفصال عن المجموعة الوطنية، حيث أصبح تعليمنا الوطني خاصا بالفقراء والمهمشين الذين لا حول لهم ولا قوة! بينما تُجمِع مراكز البحث المعنية على أن أكبر عوامل كسب العلم واستيعابه والابتكار به، هو عندما يكون باللغة الأم.
   ومن المفارقات أيضا أن اللغة التي اخترناها هي الفرنسية، التي تقاتل من أجل البقاء، بعد أن تراجعت إلى المركز السابع عشر في لغات العالم، بعيدا خلف اللغة العربية، ومعها النفوذ الفرنسي والأوروبي بل الغربي أمام النهوض الشرقي الذي يلحق العرب به اليوم بعد ثوراتهم المباركة.
  
   ومن الدال أن نرى  أن عدد المتصفحين اليوم باللغة العربية للشبكة العنكبوتية (الإنترنت) قد وصل إلى خمسة وستين مليونا وأربعمئة ألف (65400000)  متجاوزين الناطقين بالفرنسية، الذين هم تسعة وخمسون  مليونا وثمانمئة ألف نسمة (59800000)، وليس الأمر بغريب، حيث  أصدرت المنظمة العالمية للفرانكفونية العام الماضي تقريرا يقول إن اللغة الفرنسية في تراجع مطرد، إلا في إفريقيا السوداء.
**
محاضرة لمحمد محمود ودادي ألقيت في احتفال جمعية المرأة للتربية والثقافة
بمناسبة إحياء يوم اللغة العربية


نواكشوط في ‏26‏ ربيع الأول‏ 1432 ـ 2مارس 2011

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2010

أبيات لمْحمد بن الطلبة الأباتي

سأل الأستاذ حبيب بن أحمد في صفحته في "فيس بوك"بداية شهر يونيه الماضي عن قائل الأبيات التالية:
قد أيقظت دمن قفر مرابــــــــــــعها    تليد ماضي الهوى ونائم الشجن
يا عين جودي بما قد كنت صائنة     من الدموع على تذكار ذي الدمن
هذى منازلنا وذي مـــنازلنا وتي     منازلنا فــــــي سالف الزمـــــــن
العينَ فالنّيرَ فانجيْلاَنَ يا عجبًا     صــارت مراتع أهل البحر والســفن
إنه مْحمد بن الطلبه الأبّاتي (بتفخيم الباء) الذي عاش في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حتى رأى موطنه محتلا من الفرنسيين (أهل البحر والسفن) الذين كانوا يحمون معظمه في الخريف والشتاء، لخصوبة مراعيه، وقربه من سبخة "أشاميم" من أجل "إبل المخزن" كما كان يقال.   
والمنطقة هذه تقع في أقصى جنوب آدرار في "ظلعة الشعرانية" على ضفة منخفض "الخط" الفاصل بين آدرار وﺘﮕﺎنت، التي ينتمي إليها الشاعر.
وما يزال الناس يرددون أشعار مْحمد لما لها من طلاوة، ورومانسية، حيث وجدت له قطعة لدى محمد بن سيدي بابا في الرشيد، الذي كان موطنا لأهل أبات المشهورين بعلمهم وتقواهم، والذين كانوا يملكون فيه حدائق نخيل غناء،  إضافة إلى موطنهم الرئيسي شرقي التامورت.
 تنــــــــــاءت بك الأيام أي تناءِ       وأثْوتك أرضٌ غـــــــير ذات ثواءِ
تجاوزتُ أمَّ البيض والقلبَ بعدها      وخلـَّــفتُ مَقْطيرَ العريضَ وَرائي
وأصبــــحتُ أرجوا لِوادَانَ أَوْبةً        وَوَادانُ عندي كان أرضَ جَلاء
ألا ليت شــــعري هل أبِيتن ليلةً        بخيْرانَ إذ هَضْبُ الظِّباء حَذائي
وهل تر عـــــيني لأﮔْشَــطَََ مَرةً       وفي رَمْل ﻟََﻌﮕﺎلِيَ كان شــــفائي
بلاد بها قَطّعتُ نَظْم تَمائمـــــي          وجرّبتُ فيها للشـــــباب رِدَائي
لياليَ يدعوني الهوى فأُجيبه      وحيث له أدعـــــــــو أجاب دُعائي

السبت، 21 أغسطس 2010

نحن ورمضان 1

تشهد العاصمة حياة رمضانية تضاهي مثيلاتها في الدول الإسلامية العربية، حيث يشتد الإقبال على المساجد، لتلاوة القرءان الكريم ودراسة الحديث النبوي الشريف، وتلقي الدروس في العبادات وخاصة الصوم.
ومن المظاهر المؤثّرة استعمال باحات المساجد، وغيرها في صلاة العشاء والتراويح، ومنها باحة الملعب الأولمبي الكبير، الذي تتحول مسارب المشي والركض فيه إلى  صفوف من المصلين بالمئات.
وقد شهد هذا الشهر الإعلان عن انطلاق إذاعة للقرءان الكريم، تبث على الموجة الترددية  لكن ما حدث اليوم في الجمعة الثانية من رمضان، لفت نظر مصلي جامع حيّنا، وهو قراءة الإمام لنص مرقون، مكرس للإشادة بقرار ولي الأمر (رئيس الجمهورية) بإنشاء الإذاعة وكذلك بِنيَته في إقامة جامع بالعاصمة يتسع لخمسة عشر ألف مصل، ثم تثمين الحزام الأخضر الجديد الذي ستنطلق حملته يوم غد.
وقد لفتت أنظار المصلين قراءة الإمام لخطبة مكتوبة، لأنه كالغالبية الساحقة من أئمتنا يرتجلون، كما تشوقوا إلى معرفة كنه الموضوع، الذي انجلى عندما وصل الإمام إلى موضوع التشجير، ومكانة الشجرة في الإسلام مستشهدا بالآية الثالثة من سورة الرعد المختومة بـ [... إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون] حيث قرأها في النص [يعملون] ثم فطن وقال [يعقلون] عكس ما كُتب في هذا النص.
وهكذا زال الاستغراب جزئيا، ورجح المصلون أنه نص معمّم من الوزارة الوصية على المساجد، ثم تأكد الأمر عندما وقف أحد المصلين ليقول باستياء "كان الأجدر أن تخصص الخطبة لمواضيع رمضانية، أو جزء منها، وأن يُبتعد عن الحملات ..." حيث رد إمامنا الجليل " .. لقد جاءوا بها وقرأناها، إذ لم يكن فيها ما يخالف الشريعة".
وعلى كل فلم تستغرق الخطبة اليوم إلا حوالي تسع دقائق، بدل المعدل في جامعنا وهو خمس وعشرون دقيقة.
الصواب مع من يا تُرى؟ الوزارة التي لا تريد أن يتجاوزها الركب؟ أو مَن يعارضون إقحام المساجد في الحملات الإعلامية السياسية حفاظا على وحدة المصلين؟